وهذا غير صحيح ، لأنّ لهم أن يقولوا : إنّ أصل القياس هو الّذي ثبتت صحّته به ، أو ما يحمل عليه الفرع من الأصول ، وكلاهما لا يجب الاعتراض بالقياس عليه ، وإنّما يجوز أن يقاس ما دخل تحت آية محرّمة ما دخل تحت آية محلّلة فتحلّله وتخرجه من جملة ما يقتضي التّحريم ، نحو قياس العقد في الأرز (١) في التّحريم ويخصّ به قوله : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) ، وفي ذلك سقوط الاستدلال بهذه الطّريقة.
وقد استدلّ من خالف ما اخترناه بأن يقال : الّذي دلّ على إثبات القياس ، دليل مقطوع عليه ، وهو إجماع الصّحابة (٣) ، فصار العمل بما يقتضيه معلوما وجوبه ، كما أنّ العمل بما يقتضيه العموم معلوم وجوبه ، فإذا تساويا في هذا الوجه جاز تخصيص العموم به.
وهذا الّذي ذكروه غير صحيح ، لأنّا إذا سلّمنا إجماع الصّحابة على العمل بالقياس ، إنّما نسلّمه فيما لا نصّ فيه من الكتاب من العموم وغيره ، فأمّا إذا كان ما يدلّ عليه (من الكتاب) (٤) لا نسلّم أنّهم استعملوا فيه ، ولا يمكنهم أن يبيّنوا أنّ الصّحابة استعملت القياس في تخصيص العموم ، وإذا لم يثبت ذلك لم يجب من حيث
استعملوا القياس في موضع أن يجوز استعماله في كلّ موضع ، لأنّا قد بيّنا أنّه دليل
__________________
(١) في النسختين (الأرف) وهو خطاء كما يظهر من سياق الجملة ، والصّحيح ما أثبتناه لأنّ المصنّف في مقام بيان مذهب القائلين بالقياس في الأحكام الشّرعيّة ، فبناء على مذهبهم فإنّه يجوز أن يقاس ما دخل تحت آية محرّمة ، ما دخل تحت آية محلّلة فتحلّله وتخرجه من جملة ما يقتضي التّحريم ، وقول الخصم يفيد تنظير قياس عقد البيع في البرّ بعقد البيع في الأرز ، وهو غير جائز على مذهبه ، وقد أجاد أبو الحسين البصري في إبطال مذهب الخصم حين قال في (المعتمد ١ : ٢٦٠) : «أنّ أصل القياس إن كان متقدّما على الخبر العام ، وكان منافيا له ، فإنّه لا يجوز القياس عليه عند الخصم لأنّه منسوخ بالعامّ مثاله : أن يقول النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تبيعوا البرّ» ثمّ يقول بعد مدّة : «أحللت لكم جميع البياعات» فإن المخالف ينسخ تحريم البرّ ولا يجيز قياس الأرز عليه في التّحريم».
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) في الأصل : للصحابة.
(٣) زيادة من الأصل.