أن يحدّ الشّيء بنفسه.
ولا يجوز أن يحدّ بأنّه إثبات ، لأنّ الإثبات في اللّغة هو الإيجاب (١) ، ولأجل ذلك يقولون : «أثبتّ السّهم في القرطاس» أيّ أوجبته (٢) فيه. ويعبَّر أيضا في الخبر عن وجوب الشّيء كما يقال في المجبّرة (٣) أنّهم مثبِّتة.
ثمّ إنّ ذلك ينتقض بالتقليد ، لأنّه أيضا إثبات للشّيء على ما هو به ، إن أريد بهذه اللّفظة الاعتقاد ، وإن أريد بها العلم فقد حدّ الشيء بنفسه.
والعلوم على ضربين : ضروريّ ، ومكتسب.
فحدّ الضّروري : ما كان من فعل غير العالم به ، على وجه لا يمكنه دفعه عن نفسه بشكّ أو شبهة.
وهذا الحدّ أولى ممّا قاله بعضهم من أنّه : «ما لا يمكن العالم به دفعه عن نفسه بشكّ أو شبهة إذا انفرد» (٢) لأنّ ذلك تحرّز ممّن (٥) اعتقد بقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ زيدا في الدّار ، ثمّ شاهده ، فإنّه لا يمكنه أن يدفع ذلك عن نفسه ، و (٦) مع هذا فهو اكتساب.
__________________
(١) في أغلب مصادر اللغة التي بين أيدينا أنّ «الإثبات» بمعنى الدوام ، والاستقرار ، والإقامة ، والتّحقّق ، والتأكّد ، ولم يرد بمعنى «الإيجاب» ولا يخفى أن الإيجاب من مرادفات المعاني التي ورد ذكرها في المصادر.
(٢) في الأصل : أوجدته.
(٣) المجبّرة أو الجبريّة ، والجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الله سبحانه وتعالى ، والجبريّة مذهب ، وهم على أصناف ، فالجبريّة الخالصة هي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا ، والجبريّة المتوسّطة هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلا.
(٤) * قوله : «إذا انفرد» يعني إن انفرد ، والمراد بالانفراد الانفراد عن غير ما أوجبه ممّا يوجب علما لا يمكن دفعه عن نفسه ، أو ممّا يوجب العلم مطلقا ، أو من جميع ما عداه. والعلم الحاصل بالبرهان إذا انضمّت إليه براهين كثيرة دالّة على ما تعلّق به منفرد على الأوّل دون الثانيين.
(٣) لمن.
(٤) في الأصل : أو.