في ذلك إلى الأدلة الواضحة فيه ، فكذلك القول في الأحكام الشرعية.
فإن قالوا : إنهم كانوا يدعونهم إلى معرفة الله تعالى ، وينبهونهم على ما هو مركوز في عقولهم من الأدلة الدالة على توحيده وعدله ، وكذلك يدعونهم إلى النبوة والإقرار به ، ويقرءون عليهم القرآن الدال على صدقه في دعواه.
قيل لهم : فإذا قد صار لدعائهم إلى ما يدعون إليه فائدة غير وجوب القبول منهم ، وإذا جاز ذلك في المعرفة والنبوة جاز له أن يقول في أحكام الشريعة مثله ، بأن يقول : إنهم كانوا ينبهونهم على الطرق الدالة على أحكام الشريعة من الكتاب والسنة المتواترة بها ، ويجب عليهم النّظر فيها ليحصل لهم العلم بصحة ما يتضمنه.
ثم يقال لهم : طريق التعبد بخبر الواحد ووجوب العمل به الشرع ، لأن العقل قد بينا أنه لا يدل على ذلك ، فمن أين يعلمون أنهم قد تعبدوا بوجوب (١) القبول من الرسل والعمال وغيرهم حتى يجب عليهم القبول منهم؟
فإن أحالوا على جهة من الجهات من تواتر أو غير ذلك ، قلنا مثله في سائر الأحكام ، وسقط التعلق بهذه الطريقة.
فإن قيل : فما قولكم في المواضع النائية التي يقطع على أنه لا تواتر اتصل بهم بأحكام الشريعة ، أليس كان يجب عليهم القبول من الرسل والعمال ، وليس هناك طريق يعلمون به أحكام الشريعة؟
قيل له : إذا فرضت المسألة في الموضع الّذي ذكر في السؤال ، فلأصحابنا عن ذلك جوابان :
أحدهما : أنه لا يجب عليهم القبول منهم ، وينبغي أن يكونوا متمسكين بحكم العقل إلى أن ينقطع عذرهم بأحكام الشريعة ، فحينئذ يجب عليهم العمل به.
والجواب الثاني : أنه إذا كان القوم بحيث لم تتصل بهم الشريعة على وجه ينقطع العذر ، وكانت المصلحة لهم في العمل بتلك الشريعة ، فإنه لا يجوز أن يبعث
__________________
(١) وجوب.