ونحن نبين ذلك فيما بعد ، ونبين أيضا ما عندنا في صفة المفتي والمستفتي.
وأما الكلام في الحظر والإباحة ، فعندنا وعند أكثر من خالفنا طريقه العقل أيضا (١) ، فهو ـ أيضا ـ خارج من هذا الباب.
والأولى في تقديم هذه الأصول الكلام في الأخبار ، وبيان أحكامها ، وكيفية
__________________
ـ الكلمة لونا مقيتا وطابعا من الكراهية والاشمئزاز في الذهنية الفقهية الإمامية نتيجة لمعارضة ذلك المبدأ والإيمان ببطلانه.
ولكن كلمة (الاجتهاد) تطورت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا ولا يوجد لدينا الآن نصّ شيعي يعكس هذا التطور أقدم تاريخا من كتاب «المعارج» للمحقق الحلي المتوفى سنة ٦٧٦ ه إذ كتب المحقق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد يقول : «وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية ، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلة الشرع اجتهادا لأنها تبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر ، سواء كان ذلك الدليل قياسا أو غيره ، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد.
فإن قيل : يلزم ـ على هذا ـ أن يكون الإمامية من أهل الاجتهاد؟
قلنا : الأمر كذلك لكن فيه إيهام من حيث إن القياس من جملة الاجتهاد ، فإذا استثنى القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس» ويلاحظ على هذا النص بوضوح أن كلمة (الاجتهاد) كانت لا تزال في الذهنية الإمامية مثقلة بتبعة المصطلح الأول ، ولهذا يلمح النص إلى أن هناك من يتحرج من هذا الوصف ويثقل عليه أن يسمي فقهاء الإمامية مجتهدين. ولكن المحقق الحلي لم يتحرج من اسم الاجتهاد بعد أن طوره أو تطور في عرف الفقهاء تطويرا يتفق مع مناهج الاستنباط في الفقه الإمامي ، إذ بينما كان الاجتهاد مصدرا للفقيه يصدر عنه ودليلا يستدل به كما يصدر عن آية أو رواية ، أصبح في المصطلح الجديد يعبر عن الجهد الّذي يبذله الفقيه في استخراج الحكم الشرعي من أدلته ومصادره فلم يعد مصدراً من مصادر الاستنباط ، بل هو عملية استنباط الحكم من مصادره التي يمارسها الفقيه. والفرق بين المعنيين جوهري للغاية ، إذ كان على الفقيه ـ على أساس المصطلح الأول للاجتهاد ـ أن يستنبط من تفكيره الشخصي وذوقه الخاصّ في حالة عدم توفر النص ، وأما المصطلح الجديد فهو لا يسمح للفقيه أن يبرر أي حكم من الأحكام بالاجتهاد لأن الاجتهاد بالمعنى الثاني ليس مصدرا للحكم بل هو عملية استنباط الأحكام من مصادرها].
(١) زيادة في نسخة الأصل.