فنقول : أمّا وجوه الطريقيّة الثلاثة أو الستّة على ما ذكر فعدم الإجزاء فيها ظاهر ، لأنّ معنى أخذ الأمارة بملاحظة محض طريقيّتها أنّه على تقدير التخلّف عن الواقع يكون لغوا محضا ، كما أنّ الإجزاء في الوجهين الأوّلين ووجوه الموضوعيّة ، بل على الوجه الثالث الذي زدناه في أقسام التصويب واضح لا سترة فيه ، لأنّ الفرض أنّ الحكم الواقعي والظاهري منحصر في مؤدّى الأمارة ، فلا يتصوّر عدم الإجزاء ، ويبقى الإشكال في ثالث وجوه الموضوعيّة والوجه الآخر الذي زدنا هناك وهو القول بتعدّد الحكم أحدهما واقعي والآخر ظاهري فنقول : القول بالإجزاء فيهما مبنيّ على إثبات مقدّمتين :.
الاولى : أنّ جعل الأمارة يقتضي وجوب العمل عليها وترتيب آثارها ما دامت قائمة حتّى لو انكشف الخلاف لم ينقض آثارها إلّا بالنسبة إلى ما بعد الانكشاف ، وإلّا فلو قيل بأنّ انكشاف خلاف الأمارة يسقط حكمها من أوّل الأمر كما سترى في عبارة المتن اختياره فلا وجه للقول بالإجزاء.
والأقوى ثبوت هذه المقدّمة ، لأنّه الظاهر من أدلة حجيّة الأمارات على القول بالموضوعيّة ، لكن لا يثبت بمجرّد ثبوت هذه المقدّمة الإجزاء ، لأنّ المفروض أنّ هناك حكم واقعي لم يمتثل ، غاية الأمر أنّ المكلّف كان معذورا بالنسبة إليه ما دام جاهلا.
الثانية : أن يدّعى أنّ جعل الأمارة يقتضي كون مؤدّاه بدلا عن الواقع ، بحيث يستدرك منها كلّما يستدرك من الواقع بجعل الشارع ، وليست الدعوى كلّ البعيد ، فإن قيل بها يلزمه الإجزاء ، وإلّا :
فلو قيل بأنّ مؤدّى الأمارة مشتمل على المصلحة في نفس المؤدّى كما هو ظاهر المتن يقال بالإجزاء أيضا ، لأنّه وإن لم يستدرك الواقع ولا بد له إلّا أنّ مصلحته مستدركة ، فلو بقي كان حكما بلا مصلحة وهو باطل إلّا أن يقال بأنّ اعتبار المصلحة