فإن قيل : هل تقدر على [إبداء](١) معنى تضمّنه الثناء على مؤمني أهل الكتاب بهذه الآيات الأربع؟
قلت : نعم ، وهو حضّ الناس على الإيمان بالنبي صلىاللهعليهوسلم المنعوت في الكتب المتقدمة ، بما استثبتته الأحبار والربانيون فيها من الدلائل الناطقة برسالته الشاهدة بنبوته ، وتنبيههم على الاقتداء بمن يعلمون براعتهم في العلم ومهارتهم في دراسته. هذا مع ما في الثناء على أهل الكتاب من تقريع ذوي النفوس الأبية من الأمة العربية ، والتعريض بذمها لموضع إعراضها عن الإيمان ، فإنك لا تكاد تجد أنكى لها وأوغل في أذاها من هجائها ومدح أعدائها ، ولا أرغب منها في المدح والثناء ، فحرّك هممهم إلى الإيمان بذلك.
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧)
قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) قال الزجاج وغيره (٢) : أجمع المسلمون أنها نزلت في أبي طالب.
وذلك أنه قال عند موته : يا معشر بني هاشم! أطيعوا محمدا وصدقوه تفلحوا
__________________
(١) في الأصل : ابتداء. والمثبت من ب.
(٢) معاني الزجاج (٤ / ١٤٩). وانظر : الطبري (٢٠ / ٩١) وما بعدها ، وابن أبي حاتم (٩ / ٢٩٩٤) ، والماوردي (٤ / ٢٥٩) ، والوسيط (٣ / ٤٠٣).