القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها (١).
وقال صاحب الكشاف (٢) : إن قلت : كيف يتصل قوله : (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) بهذا الكلام؟ ومن أيّ وجه يكون استدراكا له؟
قلت : من حيث أنّ معناه : ولكنا أنشأنا قرونا كثيرة فتطاول عليهم أمد انقطاع الوحي ، فاندرست العلوم ، فأرسلناك وكسيناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى ، كأنه قال : وما كنت شاهدا موسى وما جرى عليه ، ولكنا أوحينا إليك ، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ، ودلّ به على المسبّب ، على عادة الله تعالى في اختصاراته ، فإذا هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده.
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ ثاوِياً)(٣) أي : مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا) أي : تقرأ (عَلَيْهِمْ آياتِنا) المشتملة على قصة موسى وتتعلم منهم.
وقال مقاتل (٤) : المعنى : لم تشاهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم.
(وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) فأرسلناك بهذا إليهم وأنزلناه [عليك](٥) لتقرأه عليهم.
قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) أي : بناحيته (إِذْ نادَيْنا) موسى ليلة المناجاة ، وهذا قول الأكثرين.
وقال ابن عباس : كان هذا النداء : يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ،
__________________
(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٤٠١).
(٢) الكشاف (٣ / ٤٢١ ـ ٤٢٢).
(٣) في الأصل زيادة قوله : فِي أَهْلِ مَدْيَنَ وستأتي بعد.
(٤) تفسير مقاتل (٢ / ٤٩٩).
(٥) في الأصل : إليك. والتصويب من ب.