به ابن عمر إذ قال :
(ابن عباس أعلم
أمة محمد بما نزل على محمد).
وابن عباس رجل
أمسك بالمجد من أطرافه. فقد نال شرف صحبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وشرف القرابة من الحبيب المصطفى : فهو ابن عمه العباس
بن عبد المطلب. وفي الإمارة : فقد أمّره علي بن أبي طالب على البصرة ، وفي الورع
والتقى : كان صوّام النهار ، قوّام الليل ، متضرعا بكّاء من خشية الله تبارك
وتعالى. وفي العلم : كان حبر الأمة الإسلامية ، وترجمان القرآن العظيم ، وذلك كان
لقبه ، وحقّا كان يستحقه. فهو ذو المعارف الواسعة ، والقلب الذكي ، والعقل
المستنير. أحب العلم واندفع إليه ، وأحسّ أنه للعلم مخلوق. فمنذ أن أدناه منه رسول
الله صلىاللهعليهوسلم وربّت على كتفه وقال داعيا : «اللهمّ فقّهه في الدّين
وعلّمه التأويل» بعدها انطلق ابن عباس بقلبه الواعي ، وذهنه الصافي ، وحافظته الخارقة ، سالكا
طريق العلم ، فلم يضع من طفولته الواعية يوما دون أن يشهد مجالس الرسول الكريم صلىاللهعليهوسلم ، ويحفظ أقواله ، ما جعله في يوم من الأيام رباني الأمة
الإسلامية ، وأعلمها بكتاب الله ، وأفقهها بتأويل آياته ، وأقدر المفسرين على
النفوذ إلى أغواره ، وفهم مراميه وأسراره ، مما بوأه بين الصحابة مكانا مرموقا ، فكان
أكثرهم تفسيرا. ولأن معرفته وحكمته كانتا أسرع نموا من عمره. فقد نال في شبابه
الغض حكمة الشيوخ وأناتهم ، وعقل الخبراء وحصافتهم مما جعله موضع احترام أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي كان حريصا على مشورته في كبير الأمور
وعظيمها ، وكان يلقبه ب (فتى الكهول).
__________________