ولكن إذا صح أن هذا الاتهام وجه من قبل المسيحيين العرب فى حياة النبى محمد صلىاللهعليهوسلم فيمكن أن نتساءل بل يجب أن نتساءل لما ذا اختلفت آراء المسلمين حول هذا الاتهام وقد عددنا من آرائهم عند الطبرى أربعة (ت ٣٠٩ ه) ، وسنرى آخرين ، كيف يحدث هذا الاختلاف وقد أعطى النبى صلىاللهعليهوسلم الإجابة الوحيدة الصحيحة : ولم يكن أمام المسلمين إلا أن يذكروا تلك الإجابة إلى كل من يتجرأ ويسوق نفس الاعتراض.
بالتأكيد كان من الطبيعى أن يسوق المسيحيون واليهود من باب أولى هذا الاعتراض فور سماعهم هذه الآية ٢٨ من سورة مريم وآيتى آل عمران وقد نزلت كلها في العهد المدنى ولكن لم يصلنا شىء عن اعتراض المسيحيين أو اليهود فى المدينة ، لما ذا إذا يثير نصارى نجران زعمهم هذه المفارقة التاريخية؟ والقرآن الكريم الذى كان متأهبا للرد على اعتراضات اليهود والنصارى لما ذا لم يذكر عن ذلك كلمة واحدة ولم يغير النص بآية ناسخة بدلا من الآية محل الطعن والخلاف؟
كل هذه التساؤلات تؤكد فى رأينا أن القصة والحديث المتعلق بها والذى رواه المغيرة بن شعبة غير صحيحة وأنها اختلفت لتؤكد لنصارى القرن الثانى والثالث الهجريين والذين أثاروا هذا الاتهام أنه اتهام فنده ودحضه النبى نفسه.
«حلنا للمشكلة» :
نرى أولا أن المشكلة لم تثر فى حياة النبى صلىاللهعليهوسلم بسبب بسيط وهو أن نصارى ومسيحى المدينة لم يروا فى الآية «يا أخت هارون» أى مشكلة لأنهم مهتمون أنها تعنى «يا منحدرة من نسل هارون» كما كانوا معتادين هم وغيرهم من العرب على هذه التعبيرات مثل «يا أخا بنى فلان بمعنى يا من انحدر من سلالة فلان ولم تكن قد أتت إلى مخيلتهم تلك الفترة الزمنية والتى ذكرها كثير من المستشرقين (١) من أن محمدا لم يكن يعرف أن بين هارون ومريم أم
__________________
(١) من بين أحدث من قالوا بذلك نذكر موريس جودفروا ديمومبين فى كتابه «محمد» ص ٣٨٤ ، ١٩٥٧ حيث حقق من غلواء زعمه حين تكلم بصفة الشرط فقال «قد يكون محمد قد ظن أن التوراة والانجيل نزلا فى نفس الفترة».