نظره شاقا فيقول له افعل إلى الظهر فإذا اشتغل إلى الظهر فبعده يقول اشتغل إلى الليل وهكذا قد يريد الأمراء أن يسوقوا الجيوش إلى مكان معين في نظرهم ولكن نظرياتهم تقتضي أن لا يفهمونهم فيأمرونهم أن يسيروا إلى مكان قريب وبعد ما ساروا إليه يأمرونهم إلى مكان آخر حتى يوصلوهم إلى مقاصدهم ولكن كل هذه لمصالح تقتضيها والقرائن تدل عليها فاتضح مما بيناه أن حروف الغاية لها مفاهيم تدل عليها ما لم يكن قرينة على خلافها.
القصد الخامس في الاستثناء لا شك أنك إذا قلت لولدك لا تشتر اللحم إلا من عمرو يفهم ولدك المميز بطبعه السليم أنك نهيته من شراء اللحم من كل أحد وأجزت له شراءه من عمرو فيفهم من الاستثناء من النهي والنفي إجازته وإثباته للمستثنى وكذا إذا قلت اشتر اللحم من كل أحد إلا من عمرو يفهم أنك أجزت له الشراء من كل أحد ما سوى عمر وفيفهم من الاستثناء من الأمر والإثبات النهي والنفي من المستثنى وقول أبي حنيفة بخلاف ذلك لا يوافق الذوق الصحيح والطبع السليم والاستناد في ذلك إلى قوله عليهالسلام لا صلاة إلا بطهور وأمثال ذلك سفسطة لأن من المعلوم أن المقصود أن الصلاة إذا تمت جميع أجزائها وشرائطها ولم تكن واجدة للطهور لا تصح ومعه تصح فحينئذ تقيد الاستثناء من النفي إثباتا.
تنبيه قد أشكلوا في كيفية إفادة كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التوحيد الحقيقي بأنه إن كان الاستثناء من نفي الوجود فيفيد إثبات الوجود ولا يفيد نفي إمكان غيره تعالى وإن كان الاستثناء من نفي الإمكان