وشذ كسره ، ومحبوب أكثر من محبّ أكثر من حابّ ، وقد جمع الحبّ لاختلاف أنواعه ، وقال :
٨٠٤ ـ ثلاثة أحباب فحبّ علاقة |
|
وحبّ تملّاق وحبّ هو القتل (١) |
والحبّ مصدر مضاف لمنصوبه ، والفاعل محذوف تقديره : كحبهم الله ، أو كحبّ المؤمنين الله بمعنى أنهم سووا بين الحبين : حب الأنداد ، وحب الله. وقال ابن عطية : «حبّ» مصدر مضاف للمفعول في اللفظ : وهو في التقدير مضاف للفاعل المضمر ، تقديره : كحبكم الله ، أو كحبهم الله ، حسب ما قدر كل وجه منها فرقة انتهى. وقوله للفاعل المضمر ، يريد أن ذلك الفاعل من جنس الضمائر ، وهو : «كم» أو «هم» أو يكون يسمى الحذف إضمارا وهو اصطلاح شائع ، ولا يريد أن الفاعل مضمر في المصدر كما يضمر في الأفعال ، لأن هذا قول ضعيف لبعضهم ، مردود بأن المصدر اسم جنس ، واسم الجنس لا يضمر فيه لجموده. وقال الزمخشري : كحب الله : كتعظيم الله ، والخضوع له أي : كما يحب الله على أنه مصدر مبني من مفعول ، وإنما استغنى عن ذكر من يحبه لأنه غير ملتبس انتهى. أما جعله المصدر من المبني للمفعول ، فهو أحد الأقوال الثلاثة :
أعني الجواز مطلقا.
والثاني : المنع مطلقا وهو الصحيح.
والثالث : التفصيل بين الأفعال التي لم تستعمل إلا مبنية للمفعول ، فيجوز نحو : عجبت من جنون زيد بالعلم ، ومنه الآية الكريمة ، فإن الغالب في «حبّ» أن يبني للمفعول وبين غيرها فلا يجوز ، واستدل من أجازه مطلقا بقول عائشة : «نهى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن قتل الأبتر وذو الطفيتين» (٢) برفع «ذو» عطفا على محل «الأبتر» لأنه مفعول لم يسم فاعله ، تقدير أي : أن يقتل الأبتر ، ولتقرير هذه الأقوال موضع غير هذا. وقد رد الزجاج تقدير من قدر فاعل المصدر المؤمنين أو ضميرهم ، وقال : «ليس بشيء» والدليل على نقضه قوله بعد : «والذين آمنوا أشد حبا لله» ورجح أن يكون فاعل المصدر ضمير المتخذين أي : يحبون الأصنام كما يحبون الله ، لأنهم أشركوها مع الله ـ تعالى ـ فسووا بين الله ، وبين أوثانهم في المحبة ، وهذا الذي قاله الزجاج من الدليل واضح ، لأن التسوية بين محبة الكفار لأوثانهم ، وبين محبة المؤمنين لله ينافي قوله : «والذين آمنوا أشد حبا لله» فإن فيه نفي المساواة وقال أبو رجاء : «يحبّونهم» من «حبّ» ثلاثيا و «أحبّ» أكثر وفي المثل : «من حبّ طبّ» (٣) ....
قوله : (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) المفضل عليه محذوف ، وهم المتخذون الأنداد ، أي : أشدّ حبا لله من المتخذين الأنداد لأوثانهم. وقال أبو البقاء : «ما يتعلّق به «أشدّ» محذوف تقديره : «أشدّ حبا لله من حبّ هؤلاء للأنداد» والمعنى : أنّ المؤمنين يحبّون الله أكثر من محبّة هؤلاء أوثانهم. ويحتمل أن يكون المعنى أنّ المؤمنين يحبّون الله تعالى أكثر ممّا يحبّه هؤلاء المتّخذون ؛ لأنهم لم يشركوا معه غيره. وأتى بأشدّ متوصّلا بها إلى أفعل التفضيل من مادة الحب لأن «حبّ» مبنيّ للمفعول. والمبنيّ للمفعول لا يتعجّب منه ولا يبنى منه أفعل للتفضيل ، فلذلك أتى بما يجوز ذلك فيه. فأمّا قولهم : «ما أحبّه إليّ» فشاذّ على خلاف في ذلك بين النحويين. و «حبا» تمييز منقول من المبتدأ تقديره : حبّهم لله أشدّ.
__________________
(١) البيت من شواهد البحر (١ / ٤٥٦).
(٢) اخرجه البخاري بلفظ «اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر» وسيأتي.
(٣) قالوا معناه من أحبّ فطن واحتال لمن يحب والصلّبّ : الحذق انظر مجمع الأمثال (٣ / ٣١٥) ، (١ / ٤٠٢).