قوله : (وَماتُوا) هذه واو الحال ، والجملة في محل نصب على الحال ، وإثبات الواو هنا أفصح ، خلافا للفراء والزمخشري حيث قالا : إن حذفها شاذ.
قوله : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ) «أُولئِكَ» مبتدأ و (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) مبتدأ وخبر عن أولئك ، وأولئك وخبره خبر عن «إن» ويجوز في «لعنة» الرفع بالفاعلية بالجار قبلها لاعتمادها ، فإنه وقع خبرا عن أولئك ، وتقدم تحريره في : (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ)(١).
قوله : (وَالْمَلائِكَةِ) الجمهور على جر الملائكة نسقا على اسم الله ، وقرأ الحسن بالرفع : «والملائكة والناس أجمعون» وخرجها النحويون على العطف على موضع اسم الله ـ تعالى ـ فإنه وإن كان مجرورا بإضافة المصدر إليه ، فموضعه رفع بالفاعلية ، لأن هذا المصدر ينحل لحرف مصدري وفعل ، والتقدير : أن لعنهم ، أو أن يلعنهم الله ، فعطف «الملائكة» على هذا التقدير.
قال الشيخ (٢) : وهذا ليس بجائز على ما تقرر من العطف على الموضع ، فإن من شرطه أن يكون ثم محرز للموضع وطالب له ، والطالب للرفع وجود التنوين في المصدر ، هذا إذا سلمنا أن «لعنة» تنحل لحرف مصدري وفعل ، لأن الانحلال لذلك شرطه أن يقصد به العلاج ألا ترى أن قوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ليس المعنى على تقدير : أن يلعن الله على الظالمين ، بل المراد اللعنة المستقرة وأضيف لله ـ تعالى ـ على سبيل التخصيص لا على سبيل الحدوث ، ونقل عن سيبويه أن قولك : هذا ضارب زيدا غدا وعمرا بنصب «عمرا» أن نصبه بفعل محذوف ، وأبى أن ينصبه بالعطف على الموضع ، ثم بعد تسليمه ذلك كله قال : المصدر المنون لم يسمع بعده فاعل مرفوع ومفعول منصوب ، إنما قاله البصريون قياسا على أن والفعل ، ومنعه الفراء وهو الصحيح. ثم إنه خرج هذه القراءة الشاذة على أحد ثلاثة أوجه :
الأول : أن تكون «الملائكة» مرفوعة بفعل محذوف أي : وتلعنهم الملائكة ، كما نصب سيبويه «عمرا» في قولك : «ضارب زيدا وعمرا» بفعل محذوف.
الثاني : أن تكون الملائكة عطفا على «لعنة» بتقدير حذف مضاف : ولعنة الملائكة فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه.
الثالث : أن يكون مبتدأ قد حذف خبره تقديره : والملائكة والناس أجمعون تلعنهم ، وهذه أوجه متكلفة ، وإعمال المصدر المنون ثابت غاية ما في الباب أنه قد يحذف فاعله كقوله : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً)(٣) وأيضا قد أتبعت العرب المجرور بالمصدر على موضعيه رفعا قال الشاعر :
٧٧٨ ـ ............... |
|
مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل (٤) |
برفع «الفضل» وهي صفة للهلوك على الموضع ، وإذا ثبت ذلك في النعت ثبت في العطف ، لأنهما تابعان من
__________________
(١) سورة البقرة ، اية (١٥٧).
(٢) انظر البحر المحيط (١ / ٤٦١).
(٣) سورة البلد ، آية (١٤).
(٤) عجز بيت للمتنخل الهذلي وصدره :
السالك الثّغرة اليقظان سالكها |
|
............... |
انظر ديوان الهذليين (٢ / ٣٤) ، الخصائص (٢ / ١٦٧) ، الهمع (١ / ١٨٧) ، الأشموني (٢ / ٢٩٠) ، الدرر (١ / ١٦٠).