أحدهما : أن تكون للعهد ، والإشارة إلى الحق الذي عليه الرسول عليهالسلام ، أو إلى الحق الذي في قوله : «يكتمون الحق» ، أي : هذا الذي يكتمونه هو الحق من ربك ، وأن تكون للجنس على معنى الحق من الله لا من غيره.
الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الحق من ربك ، والضمير يعود على الحق المكتوم ، أي : ما كتموه هو الحق.
الثالث : أنه مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : الحق من ربك يعرفونه ، والجار والمجرور على هذين القولين في محل نصب على الحال من «الحق» ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر في الوجه الثاني.
وقرأ علي بن أبي طالب (١) : «الحق من ربك» نصبا ، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على البدل من الحق المكتوم قاله الزمخشري.
الثاني : أن يكون منصوبا بإضمار «الزم» ، ويدل عليه الخطاب بعده «في» قوله : فلا تكونن.
الثالث : أنه يكون منصوبا ب «يعلمون» قبله ، وذكر هذين الوجهين ابن عطية ، وعلى هذا الوجه الأخير يكون مما وقع فيه الظاهر موقع المضمر أي : وهم يعلمونه كائنا من ربك ، وذلك سائغ حسن في أماكن التفخيم والتهويل نحو :
٧٧٢ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
............... (٢) |
والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن نفس الصفة ، فلذلك جاء التنزيل عليه : نحو (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٣) دون : لا تمتر ، ولا تجهل ونحوه ، وتقرير ذلك أن قوله : «لا تكن ظالما» نهى عن الكون بهذه الصفة ، والنهي عن الكون على صفة أبلغ من النهي عن تلك الصفة إذ النهي عن الكون على صفة يدل على عموم الأكوان المستقبلة عن تلك الصفة ، والمعنى لا تظلم في كل أكوانك أي : في كل فرد فرد من أكوانك فلا يمر بك وقت يؤخذ منك فيه ظلم فيصير كأن فيه نصا على سائر الأكوان ، بخلاف : لا تظلم فإنه يستلزم الأكوان ، وفرق بين ما يدل دلالة بالنص ، وبين ما يدل دلالة بالاستلزام.
والامتراء : افتعال من المرية ، وهي الشك ، ومنه المراء قال :
٧٧٣ ـ فإيّاك إيّاك المراء فإنّه |
|
إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (٤) |
وماريته : جادلته وشاكلته فيما يدعيه ، وافتعل فيه بمعنى تفاعل يقال : تماروا في كذا وامتروا فيه ، نحو :
تجاوروا واجتوروا وقال الراغب : المرية : التردد في الأمر ، وهي أخص من الشك والامتراء والمماراة : المحاجة فيما فيه مرية ، وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب ففرق بين المرية والشك كما ترى ، وهذا كما تقدم له
__________________
(١) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي أبو الحسن أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين وابن عم سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم توفي سنة ٤٠ ه الطبري (٦ / ٨٣) ، حلية الأولياء (١ / ٦١) ، الأعلام (٤ / ٢٩٦).
(٢) تقدم.
(٣) سورة الأنعام ، آية (٣٥).
(٤) البيت للفضل بن عبد الرحمن القرشي انظر الخصائص (٣ / ١٠٢) ، العيني (٤ / ١١٣) ، المغني (١ / ٦٧٩).