والثاني من الأوجه الثلاثة : أنه منصوب على المصدر بفعل يدلّ عليه ما تقدّم أي بغوا بغيا.
والثالث : أنه في موضع حال ، وفي صاحبها القولان المتقدّمان : إمّا فاعل «اشتروا» وإمّا فاعل «يكفروا» ، تقديره : اشتروا باغين ، أو يكفروا باغين.
والبغي : أصله الفساد من قولهم : بغى الجرح أي فسد قاله الأصمعي وقيل : هو شدّة الطلب ، ومنه قوله تعالى : (ما نَبْغِي)(١) ، وقال الراجز :
٦١٥ ـ أنشد والباغي يحبّ الوجدان |
|
قلائصا مختلفات الألوان (٢) |
ومنه «البغيّ» لشدة طلبها له.
قوله : (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) فيه قولان ، أحدهما : أنّه مفعول من أجله والناصب له «بغيا» أي : علّة البغي إنزال الله فضله على محمد عليهالسلام. والثاني : أنّه على إسقاط الخافض والتقدير : بغيا على أن ينزّل ، أي : حسدا على أن ينزّل ، فيجيء فيه الخلاف المشهور : أهي في موضع نصب أو في موضع جر؟ والثالث : أنّه في محلّ جرّ بدلا من «ما» في قوله : (بِما أَنْزَلَ اللهُ) بدل اشتمال ، أي : بإنزال الله فيكون مثل قول امرئ القيس :
٦١٦ ـ أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص (٣) |
|
............... |
وقرأ أبو عمرو وابن كثير جميع المضارع من «أنزل» مخففا إلا ما وقع الإجماع على تشديده في الحجر (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا)(٤) ، وقد خالفا هذا الأصل : أمّا أبو عمرو فإنه شدّد على (أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً)(٥) في الأنعام ، وأمّا ابن كثير فإنه شدّد في الإسراء : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ)(٦) (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً)(٧) والباقون بالتشديد في جميع المضارع إلا حمزة والكسائيّ فإنهما خالفا هذا الأصل فخفّفا : (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ)(٨) آخر لقمان ، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ)(٩) في الشورى. والهمزة والتضعيف للتعدية ، وقد تقدّم : هل بينهما فرق؟ وتحقيق كلّ من القولين ، وقد ذكر القرّاء مناسبات للإجماع على التشديد في ذلك الموضع ومخالفة كلّ واحد أصله لماذا؟ بما يطول ذكره ، والأظهر من ذلك كلّه أنه جمع بين اللغات.
قوله : (مِنْ فَضْلِهِ) : «من» لابتداء الغاية ، وفيه قولان :
أحدهما : أنه صفة لموصوف محذوف هو مفعول «ينزّل» أي : أن ينزّل الله شيئا كائنا من فضله فيكون في محلّ نصب.
والثاني : أنّ «من» زائدة ، وهو رأي الأخفش ، وحينئذ فلا تعلّق له ، والمجرور بها هو المفعول أي : أن ينزّل الله فضله.
__________________
(١) سورة يوسف ، آية (٦٥).
(٢) البيت من شواهد البحر (١ / ٢٩٨).
(٣) تقدم.
(٤) سورة الحجر ، آية (٣١).
(٥) سورة الأنعام ، آية (٣٧).
(٦) سورة الإسراء ، آية (٨٢).
(٧) سورة الإسراء ، آية (٩٣).
(٨) سورة لقمان ، آية (٣٤).
(٩) سورة الشورى ، آية (٢٨).