بأنّ التضمين اختصار ، فكيف يختصر الشيء ، ثم يؤتى بمثل لفظه. وهو لازم للظرفيّة ولا يتصرّف غالبا ، وقد وقع مبتدأ في قوله عليهالسلام : «فهو يهوي في قعرها الآن حين انتهى» (١) فالآن مبتدأ وبني على الفتح لما تقدّم ، و «حين» خبره ، بني لإضافته إلى غير متمكّن ، ومجرورا في قوله :
٥٥١ ـ أإلى الآن لا يبين ارعواء (٢) |
|
............... |
وادعى بعضهم إعرابه مستدلا بقوله :
٥٥٢ ـ كأنّهما ملآن لم يتغيّرا |
|
وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر (٣) |
يريد : «من الآن» فجرّه بالكسرة ، وهذا يحتمل أن يكون بني على الكسر. وزعم الفراء أنه منقول من فعل ماض ، وأن أصله آن بمعنى حان فدخلت عليه أل زائدة واستصحب بناؤه على الفتح ، وجعله مثل قولهم : «ما رأيته مذ شبّ إلى دبّ» وقوله عليهالسلام : «وأنهاكم عن قيل وقال» (٤) ، وردّ عليه بأنّ أل لا تدخل على المنقول من فعل ماض ، وبأنه كان ينبغي أن يجوز إعرابه كنظائره ، وعنه قول آخر أنّ أصله «أوان» فحذفت الألف ثم قلبت الواو ألفا ، فعلى هذا ألفه عن واو ، وقد أدخله الراغب في باب «أين» فتكون ألفه عن ياء ، والصواب الأول.
وقرئ «قالوا الآن» بتحقيق الهمزة من غير نقل ، وهي قراءة الجمهور ، و «قال لان» بنقل حركة الهمزة على اللام قبلها وحذف الهمزة ، وهو قياس مطرّد ، وبه قرأ نافع وحمزة باختلاف عنه ، و «قالوا لان» بثبوت الواو من قالوا لأنها إنما حذفت لالتقاء الساكنين وقد تحرّكت اللام لنقل حركة الهمزة إليها ، واعتدّوا بذلك كما قالوا في الأحمر : «لحمر». وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله تعالى في (عاداً الْأُولى)(٥) ، وحكي وجه رابع : «قالوا ألآن» بقطع همزة الوصل وهو بعيد.
قوله : (بِالْحَقِ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما أن تكون باء التعدية كالهمزة كأنه قيل : أجأت الحقّ أي : ذكرته.
الثاني : أن يكون في محلّ نصب على الحال من فاعل «جئت» أي : جئت ملتبسا بالحقّ أو ومعك الحق.
قوله : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) كاد واسمها وخبرها ، والكثير في خبرها تجرّده من أن ، وشذ قوله :
٥٥٣ ـ قد كاد من طول البلى أن يمحصا (٦) |
|
............... |
عكس عسى ، ومعناها مقاربة الفعل ، وقد تقدّم جملة صالحة من أحكامها ، وكون نفيها إثباتا وإثباتها نفيا ،
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٨٤) ، في كتاب الجنة وصفة نعيمها باب في شدة حرّ نار جهنم (٣١ / ٢٨٤٤).
(٢) صدر بيت لعمر بن أبي ربيعة وعجزه :
............... |
|
لك بعد المشيب عن ذا التصابي |
انظر ديوانه (٤٢٣) ، الهمع (١ / ٢٠٧) ، الدرر (١ / ١٧٤).
(٣) البيت لأبي صخر الهذلي انظر شرح أشعار الهذليين (٢ / ٩٥٦) ، الخصائص (١ / ٣١٠) ، أمالي القالي (١ / ١٤٨) ، ابن الشجري (١ / ٣٨٦) ، شرح المفصل لابن يعيش (٨ / ٣٥) ، رصف المباني (٣٢٥) ، الشذور (١٢٨) ، الهمع (١ / ٢٠٨) ، الدرر (١ / ١٧٥) ، اللسان «أين».
(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٣٠٦) ، وأحمد في المسند (٢ / ٣٢٧).
(٥) سورة النجم ، آية (٥٠).
(٦) تقدم وهو لرؤبة.