المبحث الرابع
فى أول ما نزل ، وآخر
ما نزل من القرآن
مدار هذا المبحث على النقل والتوقيف.
ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة ، أو الجمع بينها فيما ظاهره التعارض
منها.
ومن فوائد الإلمام بأول ما نزل وآخره ،
تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات على موضوع واحد ، وكان الحكم
في إحدى هذه الآيات يغاير الحكم في الأخرى.
ومن فوائده أيضا معرفة تاريخ التشريع
الإسلامى ، ومراقبة سيره التدريجى ، والوصول من وراء ذلك إلى حكمة الإسلام وسياسته
في أخذه الناس بالهوادة والرفق ، والبعد بهم عن غوائل الطفرة والعنف ، سواء في ذلك
هدم ما مردوا عليه من باطل ، وبناء ما لم يحيطوا بعلمه من حق.
يضاف إلى هاتين الفائدتين فائدة ثالثة :
هى إظهار مدى العناية التى أحيط بها القرآن الكريم ، حتى عرف فيه أول ما نزل وآخر
ما نزل ، كما عرف مكّيّه ومدنيّه ، وسفريّه وحضريّه ، إلى غير ذلك. ولا ريب أن هذا
مظهر من مظاهر الثّقة به ، ودليل على سلامته من التغيير والتبديل. (لا
تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وليس من غرضنا في هذا الباب أن نتحدّث
عن أول ما نزل وآخر ما نزل في كل تعليم من تعاليم الإسلام ، فتلك غاية بعيدة المدى
، ومجهود طويل جدير أن يفرد بالتأليف ، وله مواضع أخرى يمكن طلبه منها. إنما
الميسور لنا أن نحدّثك عن أمرين :
أحدهما : أول ما نزل من القرآن على
الإطلاق ، وآخر ما نزل منه على الإطلاق ، وهذا هو المقصود المهمّ.
الثانى : نماذج من أول ما نزل في بعض
الأحكام التشريعية وآخر ما نزل منها ، أى أوائل وأواخر إضافية مخصوصة ومقيّدة ببعض
الأحكام.