العالى والنازل من الأساليب. ولا ريب أن إدراك معانى القرآن ، وذوق بلاغته وإعجازه ، لا يتأتى لغير العرب الخلص إلا عن هذا الطريق.
وأما العلوم الكونية ، فلأن الله تعالى دعا الناس كثيرا أن ينظروا في هذا الكون ، وحضهم بقوة أن يقرءوا صحيفة هذا الوجود ، ليصلوا من الكون إلى مكوّنة ، وليستدلوا بالوجود على موجده ، ولينتفعوا أبلغ انتفاع بتلك القوى العظيمة التى خلقها لأجلهم ، وسخرها لنفعهم. قال تعالى في سورة الجاثية : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
فلا عجب إذا فهموا تلك الألفاظ الكونية التى في القرآن على النحو الذى هداهم إليه العلم ، والثقافة التى تثقفوها في علوم الكون
ومعلوم أن المفسر لا يفسر لنفسه ، إنما يفسر للناس ، فكان من الواجب أن يساير أفكارهم ، ويشرح ألفاظ القرآن في الظواهر الطبيعية والعلمية ، وسنن الله الكونية ، وقوانين الاجتماع والسياسة ، وقواعد الاقتصاد والأخلاق ، وسائر التشريعات الشخصية والمدنية والجنائية والحربية ، نقول : يجب على المفسر أن يشرح ألفاظ القرآن فى ذلك كله وفيما يشبهه ، بالطريقة العلمية المألوفة لهم ، وبالأفكار الغالبة عليهم الملائمة لأذواقهم. وإلا فما بلغ رسالته ، ولا أدّى أمانته. وكيف يخاطب العالم بغير ما يفهمون ، ويدخل إليهم من غير الباب الذى يدخلون؟.
هذه هى الاسباب التى جعلت التفسير يمتزج بالعلوم الأدبية والكونية وغيرها ، وجعلت العلوم الأدبية والكونية تحتلّ مكانها في كتب التفسير. وإن كان هذا الامتزاج يختلف