(٤) ويقول في تفسير قوله تعالى (فَمَنْ
زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) ما نصه : ولا غاية للفوز وراء النجاة
من سخط الله والعذاب السرمدى ونيل رضوان الله والنعيم المخلد ا ه. وأنت ترى أن في
ذلك تعريضا بإنكار رؤية الله ؛ إذ يصرح بأن النجاة والرضوان والنعيم لا غاية للفوز
وراءها ، مع أنه لم يذكر الرؤية. وقد صرح بإنكارها في سورة الأنعام إذ قال في
تفسير قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ)
ما نصه : ـ البصر هو الجوهر اللطيف الذى ركّبه الله في حاسة النظر ؛ به تدرك
المبصرات. فالمعنى أن الأبصار لا تتعلق به ولا تدركه ، لأنه متعال عن أن يكون
مبصرا فى ذاته ، إذ الأبصار إنما تتعلق بما كان في جهة أصالة أو تبعا ، وذلك
كالأجسام والهيئات ا ه.
ويردّ عليه أهل السنة (أولا) بأن
الإدراك المنفى عبارة عن الإحاطة. ومنه قوله تعالى (حَتَّى إِذا
أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ)
أى أحاط به. وقوله سبحانه حكاية عن قوم موسى :
(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أى محاط بنا. فالمنفى إذن عن الأبصار
إحاطتها به عزوجل ، لا مجرد الرؤية. ومن المعلوم أنه تعالى لا تحيط به الأفهام ؛
وهذا لا يمنع أن تعرفه. فالإحاطة للعقل منفية كنفى الإحاطة للبصر. وما دون الإحاطة
من المعرفة للعقل والرؤية للبصر ، ثابت غير منفى.
(ثانيا) أن الزمخشرى لم يذكر على إحاطة
الرؤية عقلا دليلا ولا شبه دليل ، سوى أنه استبعد أن يكون المرئى لا في جهة. وهذا نعارضه
بالمثل فنقول : يلزمكم استبعاد أن يكون الموجود لا في جهة ، إذ الاتباع للوهم
يبعدهما جميعا ، والانقياد للعقل يبطل هذا الوهم ويجيزهما معا.
وحسبنا هذا فحبل النقاش بين أهل السنة
والمعتزلة طويل. وميدان الأخذ والرد بينهما علم الكلام ، فارجع إليه إن شئت المزيد.
عصمنى الله وإياك من الزلل ، ووفّقنا للقصد في الاعتقاد والعمل ، آمين.