ولا نقول به ، فإن الوحدانية ليس معناها نفى وجود ذوات أو صفات أو أفعال لغيره. إنما معناها نفى أن يكون لغيره شبه به في ذاته أو صفاته أو أفعاله. وأنتم يا أهل السنة لا تمنعون وجود ذوات لا تشبه ذاته ، ولا تمنعون وجود صفات لا تشبه صفاته ، فلم تمنعون وجود أفعال من العباد لا تشبه أفعاله؟ وهو ما يقول به في خلق العباد لأعمالهم ، فإنها لا تشبه أفعال الله بحال.
هكذا تجد لكلتا الطائفتين وجهة نظر قوية وتأويلا سائغا فيما تؤوّله من النصوص المقابلة للنصوص التى بهرتها فرجحتها. ونجد أيضا أن كلتا الطائفتين لا تلتزم المحظور التى تحاول الأخرى أن تلزمها إياه في مقام الحجاج والجدال ، بل توجّه رأيها توجيها ينّأى بها عن الوقوع في المحظور. ثم نجد كلتا الطائفتين يتلاقيان أخيرا بعد طول المطاف عند نقطة الاعتقاد السديد بوحدانية الله وحكمة الله ، ولكن على الوجه الذى استبان لها وراج عندها.
فكيف يرضى منصف إذا بتجريح إحداهما ورميها بأشنع التهم من كفر أو شرك أو هوى؟ وما ذا علينا أن نرجّح ما نرجح من غير تسفيه للجانب الآخر؟ بل ما ذا علينا أن نلوذ بالصمت ونعتصم بالسكوت فلا نخوض في أمثال هذه الدقائق العويصة ، والمسالك الملتوية البعيدة؟ لا سيما أن الرحمن الرحيم لم يكلّفنا بها ولم يفرضها علينا.
ولقد كان سلفنا الصالح يؤمنون بوحدانية الله وعدله. ويؤمنون بقدره وأمره. ويؤمنون بهذه النصوص وتلك النصوص. ويؤمنون بأن العبد يعمل ما يعمل وأن الله خالق كل شىء. ويؤمنون بأنه تعالى تنزّه في قدره عن أن يكون مغلوبا أو عاجزا وتنزّه في أمره وتكليفه عن أن يكون ظالما أو عابثا. ثم بعد ذلك يصمتون فلا يخوضون في تحديد نصيب عمل الإنسان الاختيارى من قدرة الله ونصيبه من قدرة العبد. ولا يتعرضون لبيان مدى ما يبلغ فعل الله في قدره ، ولا لبيان مدى ما يبلغ