الحكمة الثالثة
مسايرة الحوادث والطوارئ في تجدّدها وتفرقها ، فكلما جدّ منهم جديد ، نزل من القرآن ما يناسبه ، وفصّل الله لهم من أحكامه ما يوافقه. وتنتظم هذه الحكمة أمورا أربعة :
أولها : إجابة السائلين على أسئلتهم عند ما يوجهونها إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم. سواء أكانت تلك الأسئلة لغرض التثبت من رسالته. كما قال الله تعالى في جواب سؤال أعدائه إياه. (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فى سورة الإسراء. وقوله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) الخ الآيات في هذا الموضوع من سورة الكهف. أم كانت لغرض التنوّر ومعرفة حكم الله كقوله تعالى في سورة البقرة : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ؟ قُلِ الْعَفْوَ). (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى؟ قُلْ : إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ. وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ).
ولا ريب أن تلك الأسئلة كانت ترفع إلى النبى صلىاللهعليهوسلم في أوقات مختلفة ، وعلى نوبات متعدّدة ، حاكية أنهم سألوا ولا يزالون يسألون. فلا بدع أن ينزل الجواب عليها كذلك في أوقاتها المختلفة ، ونوباتها المتعدّدة.
ثانيها : مجاراة الأقضية والوقائع في حينها ببيان حكم الله فيها عند حدوثها ووقوعها. ومعلوم أن تلك الأقضية والوقائع لم تقع جملة ، بل وقعت تفصيلا وتدريجا ، فلا مناص إذن من فصل الله فيها بنزول القرآن على طبقها تفصيلا وتدريجا. والأمثلة على هذا كثيرة ، منها قوله سبحانه في سورة النور : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) إلى قوله سبحانه (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وهنّ عشر آيات نزلن في حادث من أروع الحوادث : هو اتهام السيدة الجليلة