جميع مؤلفيها ، ولا بطريقة كل مؤلف فيها. غير أنا نستطيع أن نجمل القول في طرق المفسرين بعد العصر الأول فنقول :
بعد عصر الأولين الذين ألفوا في التفسير بالمأثور ، والتزموا ذكر السند بجملته ، جاء قوم صنفوا في التفسير ؛ واختصروا الأسانيد ، ولم ينسبوا الأقوال لقائليها. فالتبس بذلك الصحيح وغيره. وصار الناظر في تلك الكتب يظنها كلها صحيحة. بينما هى مقعمة بالقصص وبالإسرائيليات على وجه لا تمييز فيه كأنها كلها حقائق. ومن هنا استهدفت رواياتهم للتجريح والطعن. ولو لا ما يقوم به المحققون في كل عصر من إحقاق الحق ودحض الباطل ، لانطمست المعالم ، واختلط الحابل بالنابل ، ولكان ذلك مثار مطاعن توجه بلا حساب إلى الإسلام والمسلمين. فقد ذكروا في قصص الأنبياء ، وفي بدء الخليقة ، والزلازل ، ويأجوج ومأجوج ، وبرودة الماء الذى في الأبارز من الصيف ، وحرارته في الشتاء. ذكروا فى ذلك كله ما يندى له الجبين خجلا ، وما لا يتفق والحقائق العلمية أبدا. ويا ليتهم نبهوا على وضعه! لو أنهم فعلوا لكان الأمر هينا. ولكنهم لم يذكروا السند كما ذكر الأولون ليستطيع المطلع عليه نقده بالرجوع إلى كتب الجرح والتعديل. ثم لم يكلفوا أنفسهم الحكم على السند بعد محاكمته إلى كتب العدل والتجريح. «وتلك ثالثة الأثافى».
وقد عنى بعض المفسرين بأن يسرد شتات الأقوال ، حتى إنه ذكر في تفسير قوله سبحانه : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) نحو عشرة أقوال ، مع أن الوارد الصحيح تفسير المغضوب عليهم باليهود ، وتفسير الضالين بالنصارى. ولكن الولوع بكثرة النقول ، نأى بهم عن الاقتصار على التفسير المقبول.
وكذلك نلاحظ أن كل بارع في فن يقتصر غالبا في تفسيره على الفن الذى برع فيه. فالمبرّز في العلوم العقلية كالفخر الرازى ، أغرم باستعراض أقوال الحكماء والفلاسفة وشبههم والرد عليها في تفسيره. والمبرز في الفقه كالقرطبى ، أولع بتقرير الأدلة للفروع الفقهية والرد على المخالفين. والمبرز في النحو كالزجاج والواحدى في البسيط وأبى حيان في البحر ، يهتم أعظم الاهتمام بالإعراب ووجوهه ، ونقل قواعد النحو وفروعها.