إذ جمعا بين العلم والعمل ، والصلاح والورع ، والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن. وقد اشتركا أيضا في التلمذة والأخذ عن أبى الأسود الدؤلى.
ويرحم الله هذين الشيخين ، فقد نجحا في هذه المحاولة ، وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ، ونقطا جميع حروفه المتشابهة ، والتزما ألا تزيد النقط في أىّ حرف على ثلاث. وشاع ذلك في الناس بعد ، فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف.
وقيل : إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلى ، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط ، نقطه يحيى بن يعمر. ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية ، ثم تبعه ابن سيرين ، وأن عبد الملك أول من نقط المصحف ، ولكن بصفة رسمية عامة ، ذاعت وشاعت بين الناس ، دفعا للبس والإشكال عنهم في قراءة القرآن.
شكل المصاحف.
شكل الكتاب في اللغة رديف لإعجامه. وقد عرفت أن الإعجام هو النقط. قال صاحب القاموس ما نصه : «... والكتاب (أى وشكل الكتاب) أعجمه ، كأشكله كأنه أزال عنه الإشكال)» ا ه. ثم شاع استعمال الشكل في خصوص ما يعرض للحروف من حركة أو سكون. والمناسبة بين المعنيين ظاهرة ، لأن في كل منهما إزالة لإشكال الحرف ودفعا للبس عنه.
واتفق المؤرخون على أن العرب في عهدهم الأول ، لم يكونوا يعرفون شكل الحروف والكلمات فضلا عن أن يشكلوها. ذلك لأن سلامة لغتهم ، وصفاء سليقتهم وذلاقة ألسنتهم