القائمة ، التى تجعل
نفوسهم مستشرقة لقضاء الله فيها ، متعطشة إلى حديث رسوله عنها ، فينزل الكلام على
القلوب وهى متشوّفة ، كما ينزل الغيث على الأرض وهى متعطشة ، تنهله بلهف ، وتأخذه
بشغف ، وتمسكه وتحرص عليه بيقظة ، وتعتز به وتعتدّ عن حقيقة ، وتنتفع به وتنفع ،
بل تهتزّ به وتربو وتنبت من كل زوج بهيج!!.
العامل التاسع
اقتران القرآن دائما بالإعجاز ، واقتران
بعض الأحاديث النبوية بأمور خارقة للعادة ، تروع النفس ، وتشوق الناظر ، وتهول
السامع. وإنما اعتبرنا ذلك الإعجاز وخرق العادة من عوامل حفظ الصحابة ، لأن الشأن
فيما يخرج على نواميس الكون وقوانينه العامة ، أن يتقرّر في حافظة من شاهده ، وأن
يتركز في فؤاد كل من عاينه فردا كان أو أمة ؛ حتى لقد يتخذ مبدأ تؤرخ بحدوثه
الأيام والسنون ، وتقاس بوجوده الأعمار والآجال.
أما القرآن الكريم فإعجازه سار فيه
سريان الماء في العود الأخضر ، لا تكاد تخلو سورة ولا آية منه. وأعرف الناس بوجوه
إعجازه ، وأعظمهم ذوقا لأسرار بلاغته ، هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم يصدرون في
هذه المعرفة وهذا الذوق عن فطرتهم العربية الصافية ، وسليقتهم السليمة السامية ،
وتمهرهم في فنون البيان وصناعة اللسان. ومن هذا كان القرآن حياتهم الصحيحة ، به
يقومون ويقعدون ، وينامون ويستيقظون ، ويعيشون ويتعاملون ، ويلتذون ويتعبدون. وهذا
هو معنى كونه روحا في قول الله سبحانه : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)
وليست هناك طائفة في التاريخ تمثل فيها القرآن روحا ، كما تمثل في هذه الطبقة
العليا الكريمة طبقة الصحابة الذين وهبوه حياتهم فوهبهم الحياة ، وطبعهم طبعة
جديدة حتى صاروا