كعبد الله بن عمرو (رضى الله عنه). ولهذا الموضوع مبحث خاص به فاطلبه إن شئت في علوم الحديث.
وأيّا ما تكن كتابة القرآن والسنة النبوية ، فإن التعويل قبل كل شىء كان على الحفظ والاستظهار ، ولا يزال التعويل حتى الآن على التلقّى من صدور الرجال ، ثقة عن ثقة ، وإماما عن إمام ، إلى النبى صلىاللهعليهوسلم.
غير أن الرجل الأمى والأمة الأمية يكونان أسبق من غيرهما إلى الحفظ ، للمعنى الذى أسلفناه لك.
العامل الثانى
أن الصحابة كانوا أمة يضرب بها المثل في الذكاء والألمعيّة ، وقوّة الحافظة وصفاء الطبع ، وسيلان الذهن وحدّة الخاطر! وفي التاريخ العربى شواهد على ذلك يطول بنا تفصيلها ، ولعلها على بال منك. حتى لقد كان الرجل منهم ربما يحفظ ما يسمعه لأول مرة مهما كثر وطال ، وربما كان من لغة غير لغته ، ولسان سوى لسانه ، وحسبك أن تعرف أن رءوسهم كانت دواوين شعرهم ، وأن صدورهم كانت سجلّ أنسابهم ، وأن قلوبهم كانت كتاب وقائعهم وأيامهم! كل أولئك كانت خصائص كامنة فيهم وفي سائر الأمة العربية من قبل الإسلام ، ثم جاء الإسلام فأرهف فيهم هذه القوى والمواهب ، وزادهم من تلك المزايا والخصائص بما أفاد طبعهم من صقل ، ونفوسهم من طهر ، وعقولهم من سموّ ، خصوصا إذا كانوا يسمعون لأصدق الحديث وهو كتاب الله ، ولخير الهدى وهو هدى محمد صلىاللهعليهوسلم.