بل كاد يلفح بناره جميع البلاد الإسلامية حتى الحجاز والمدينة ، وأصاب الصغار والكبار على سواء.
أخرج ابن أبى داود في المصاحف من طريق أبى قلابة أنه قال : «لما كانت خلافة عثمان ، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلّم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلّمين ، حتى كفّر بعضهم بعضا ، فبلغ ذلك عثمان ، فخطب فقال : «أنتم عندى تختلفون ، فمن نأى عنى من الأمصار أشدّ اختلافا».
وصدق عثمان ، فقد كانت الأمصار النائية أشدّ اختلافا ونزاعا من المدينة والحجاز. وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار إذا جمعتهم المجامع ، أو التقوا على جهاد أعدائهم ، يعجبون من ذلك. وكانوا يمنعون في التعجب والإنكار ، كلما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن. وتأدى بهم التعجب إلى الشكّ والمداجاة ، ثم إلى التأثيم والملاحاة. وتيقظت الفتنة التى كادت تطيح فيها الرءوس ، وتسفك الدماء ، وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتابهم. كما قال حذيفة لعثمان في الحديث الآتى قريبا.
أضف إلى ذلك أن الأحرف السبعة التى نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار ، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها ، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون. إنما كان كل صحابى في إقليم ، يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التى نزل عليها القرآن. ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد.
لهذه الأسباب والأحداث ، رأى عثمان بثاقب رأيه ، وصادق نظره ، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الرافع ، وأن يستأصل الداء ، قبل أن يعزّ الدواء ، فجمع أعلام