دستور أبى بكر في كتابة الصّحف :
وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر ، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبّت بالغ وحذر دقيق ، وتحريات شاملة ، فلم يكتف بما حفظ قلبه ، ولا بما كتب بيده ، ولا بما سمع بأذنه. بل جعل يتتبّع ويستقصى آخذا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين : أحدهما. ما كتب بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والثانى : ما كان محفوظا في صدور الرجال. وبلغ من مبالغته فى الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كتب. بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
يدلّ على ذلك ما أخرجه ابن أبى داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال : «قدم عمر ، فقال : من كان تلقّى من رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا من القرآن فليأت به ، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان».
ويدلّ عليه ما أخرجه أبو داود أيضا ، ولكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ، ولزيد : «اقعدا على باب المسجد ، فمن جاءكما بشاهدين على شىء من كتاب الله فاكتباه» ا ه وهو حديث رجاله ثقات وإن كان منقطعا. قال ابن حجر : «المراد بالشاهدين : الحفظ والكتابة».
وقال السخاوى في جمال القراء ما يفيد أن المراد بهما رجلان عدلان إذ يقول ما نصّه : «المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم». ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده ، ولذلك قال في الحديث الذى رواه البخارى سابقا ، إنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع أبى خزيمة. أى لم يجدها مكتوبة إلا مع أبى خزيمة الأنصارى ، مع أن زيدا كان يحفظها ، وكان كثير من الصحابة يحفظونها. ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة ، زيادة في التوثّق ، ومبالغة في الاحتياط. وعلى هذا