وقد نرى ونسمع اتّهامات وشبهات ، مرة من هنا ، ومرة من هناك ، فمن واجب الأمانة في أعناقنا ، أن نبدّد ظلمات هذه الشبهات والتّهم ، بما بين أيدينا من أنوار العلم وأسلحة الحجج. (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ).
(الشبهة الأولى) يقولون : إن أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف تثبت الاختلاف فى القرآن ، مع أن القرآن نفسه يرفع الاختلاف عن نفسه ، إذ يقول : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وذلك تناقض ، ولا ندرى أيّهما يكون الصادق.
والجواب : أن الاختلاف الذى تثبته تلك الأحاديث ، غير الاختلاف الذى ينفيه القرآن. وهذا كاف في دفع التناقض ، فكلاهما صادق. وبيان ذلك أن الأحاديث الشريفة تثبت الاختلاف بمعنى التنويع في طرق أداء القرآن والنطق بألفاظه في دائرة محدودة لا تعدو سبعة أحرف ، وبشرط التلقّى فيها كلها عن النبى صلىاللهعليهوسلم.
أما القرآن فينفى الاختلاف بمعنى التناقض والتدافع بين معانى القرآن وتعاليمه ، مع ثبوت التنويع في وجوه التلفظ والأداء السابق.
ومعنى ذلك أن نزول القرآن على سبعة أحرف ، لا يلزم منه تناقض ولا تخاذل ولا تضادّ ولا تدافع بين مدلولات القرآن ومعانيه ، وتعاليمه ومراميه ، بعضها مع بعض. بل القرآن كله سلسلة واحدة ، متصلة الحلقات ، محكمة السور والآيات ، متآخذة المبادئ والغايات ، مهما تعدّدت طرق قراءته ، ومهما تنوّعت فنون أدائه.
وللمحقق ابن الجزرى كلام نفيس يتّصل بهذا الموضوع ننقل إليك شيئا منه بقليل من التصرف ، إذ يقول : «قد تدبّرنا اختلاف القراءات ، فوجدناه لا يخلو من ثلاثة أحوال : أحدها اختلاف اللفظ لا المعنى. الثانى اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما في شىء واحد. الثالث اختلافهما جميعا مع امتناع جوز اجتماعهما في شىء واحد ، لكن يتفقان من وجه آخر لا يقتضى التضادّ.