ولا يصادم إيمانه ، ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم سريعا كما في الحديث الشريف.
وأىّ إنسان يستطيع أن يحمى نفسه خواطر السوء الهوجاء ، ورياح الهواجس الشنعاء؟ إنما الواجب على المؤمن أن يحارب تلك الخواطر الرديئة بأسلحة العلم وتعاليم الشريعة ، ولا يستسلم لها ولا يسترسل معها. وعلينا أن نتعاون في هذا الميدان كما فعل الرسول صلىاللهعليهوسلم بأبىّ إذ ضرب في صدره ، ليصرفه بشدة عن الاشتغال بهذا الخاطر ، وليلفته بقوّة إلى ما قصه عليه علاجا لشبهته ، من أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، تهوينا على أمته وتيسيرا لها. ولقد نجح الرسول صلىاللهعليهوسلم في هذا العلاج أيّما نجاح حتى قال أبىّ نفسه : «ففضت عرقا ، وكأنّى أنظر إلى الله عزوجل فرقا».
ذلك ما نراه مخلّصا في هذا المقام الذى زلّت فيه بعض الأقدام ، وللعلامة الشيخ محمد عبد الله دراز كلام جيد في مثل هذا الموضوع من كتابه المختار ، فارجع إليه إن أردت التوسّع ومزيد البيان.
أضف إلى ما ذكرنا أن خصومة أبى بن كعب في أمر اختلاف القراءة على هذا النحو ، إنما كانت من قبل أن يعلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فهو وقتئذ كان معذورا ، بدليل أنه لما علم بذلك ، واطمأنّت إليه نفسه ، عمل بما علم ، وكان مرجعا مهما من مراجع القرآن على اختلاف رواياته ، وكان من رواة هذا العلم للناس كما تلاحظه في الحديثين المسندين إليه بعد.
(٤) روى مسلم بسنده عن أبى بن كعب أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان عند أضاة بنى غفار. قال : «فأتاه جبريل عليهالسلام فقال : إنّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ؛ وإن أمتى لا تطيق