١١ ـ شبيه بالسبب الخاص مع اللفظ العام
نوّه السيوطىّ في الإتقان ، وابن السّبكىّ والمحلّى في جمع الجوامع وشرحه ، بأنّ القرآن الكريم قد يرد فيه ما يشبه السبب الخاص مع اللفظ العام النازل فيه ، فيكون لهذا الشبهة أثر صالح في تناول الآية العامة للمضمون الخاص في الآية التى معها ، تناولا ممتازا يجعله أسبق إلى الذهن من غيره ، وأبعد عن خروجه بالتخصيص إذا ورد مخصص لتلك الآية العامة. فكأنه قطعىّ الدخول. وكأنه مجمع على عدم خروجه بالمخصّص كما أجمعوا على عدم خروج السبب الخاص من لفظ العام النازل فيه.
وهاك مثلا يوضح لك المقام : قال الله تعالى في سورة النساء : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ، يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) إلى آخر الآيات الواردة في هذا الموضوع.
فأنت ترى أن هذه الآيات شنّعت على الخيانة والخائنين من اليهود ، وتوعّدتهم أفظع الوعيد ، ووبختهم أشدّ التوبيخ. وذلك في معنى النهى البالغ عن تلك الخيانة أى خيانتهم للنبى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، حيث جعلوا المشركين أهدى سبيلا منهم. ومن المقرّر أن النهى عن شىء أمر بضدّه ، فلا جرم تضمّنت هذه الآيات أيضا أمر اليهود بالأمانة في الحكم على النبى صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ووصفهم بالصفات الحقيقية : خصوصا أنهم قد مدحوا في كتابهم التوراة كما قال الله تعالى في سورة الأعراف : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) الخ والضمير للنبى صلىاللهعليهوسلم ، وكما قال في سورة الفتح بعد أن وصف النبى وأصحابه : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) الخ.
ثم جاء عقيب تلك الآيات في الترتيب الوضعيّ قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ