والجواب أنه يكفى في حكمة تأخير البيان إلى ما بعد السبب أن يكون اللفظ العامّ بيانا له ولو مع ما يشابهه من كل ما يندرج تحت اللفظ العام ، ولا يستلزم أن يكون بيانا له وحده كما ذكرتم.
ويمكن أن تصوغ من هذا قياسا هكذا : لو لم تكن العبرة بخصوص السبب ، لما أخّر البيان إلى وقوع الواقعة أو توجيه السؤال. لكن التالى باطل ، فثبت نقيض المقدم وهو المطلوب. دليل الملازمة أن تأخير لفظ الشارع إلى ما بعد وقوع الواقعة وتوجيه السؤال لا يفهم منه إلا أنه بيان لهذا السبب وحده ، وذلك معنى أن العبرة بخصوصه.
والجواب : أننا نمنع دليل الملازمة ، أى نمنع أنه لا يفهم من تأخير البيان إلى ما بعد وقوع الواقعة وتوجيه السؤال إلا أن يكون اللفظ العام النازل بسببهما بيانا لهذا السبب وحده. كيف؟ والتأخير يفهم منه أن اللفظ العامّ جاء بيانا له مع أشباهه من كل ما ينتظم وإياه في سلك العامّ للأدلة السابقة.
«الشبهة الرابعة» يقولون : قد اتفقت كلمة الفقهاء على أنه إذا دعا رجل رجلا آخر إلى طعام الغداء وقال له : (تغدّ عندى) فرفض وقال : (والله لا أتغدّى) ، ولم يقل «عندك» ، ثم تناول الغداء عند غير هذا الداعى ، فإنه لا يحنث. وما ذاك إلا لأن هذا اللفظ العامّ قد تخصّص بسببه وهو كلمة (تغدّ عندى) التى خصّ بها الداعى نفسه ، فكان الحالف قال : (لا أتغدى عندك وحدك) ولذلك لا يحنث بغدائه عند غيره والجواب : أن حكم الفقهاء في هذا المثال ليس مبنيا على أن كل عام يتخصّص بسببه كما فهمتم ، بل هو مبنىّ على أن هذا المثال وأشباهه تخصّص بقرينة خارجة وهى حكم العرف هنا بأن الحالف إنما يريد ترك الغداء عند داعيه فقط. وليس كلامنا فيما تخصّص بقرينة خارجة ، سواء أكانت العرف أم سواه ، فذلك محلّ وفاق.