كثيرين فيها. وتدلّ كثير من آيات القرآن على اعجابه بأخلاق المسيحيّين ، وبما في دين اليهود من نزعة إلى التوحيد ، وبما عاد على المسيحية واليهودية من قوّة كبيرة لأنّ لكلتيهما كتابا مقدّسا تعتقد أنّه موحى من عند الله.
قال : ولعلّه قد بدا له أنّ ما يسود جزيرة العرب من شرك ، ومن عبادة للأوثان ، ومن فساد خلقي ، ومن حروب بين القبائل وتفكّك سياسي ، نقول : لعلّه قد بدا له أنّ حال بلاد العرب إذا قورنت بما تأمر به المسيحية واليهودية حال بدائية لا تشرف ساكنيها. ولهذا أحسّ بالحاجة إلى دين جديد. ولعلّه أحسّ بالحاجة إلى دين يؤلّف بين هذه الجماعات المتباغضة المتعادية ويخلق منها أمّة قوية سليمة ، دين يسموا بأخلاقهم عمّا ألفه البدو من شريعة العنف والانتقام ، ولكنّه قائم على أوامر منزلة لا ينازع فيها إنسان. ولعلّ هذا الأفكار نفسها قد طافت بعقل غيره من الناس. فنحن نسمع عن قيام عدد من المتنبّئين في بلاد العرب في بداية القرن السابع ، وقد تأثّر كثير من العرب بعقيدة المسيح المنتظر التى يؤمن بها اليهود. وكان هؤلاء أيضا ينتظرون بفارغ الصبر مجيء رسول من عند الله. وكانت في البلاد شيعة من العرب تدعى بالحنفيّة أبت أن تقرّ بالالوهية لأصنام الكعبة ، وقامت تنادي بإله واحد يجب أن يكون البشر جميعا عبيدا له وأن يعبدوه راضين (هم : ورقة بن نوفل ، وعبيد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث ، وزيد بن عمرو بن نفيل). كانوا قد أيقنوا أنّ ما هم عليه من الوثنية ليس بشيء ، فتفرّقوا في البلاد يلتمسون الحنيفيّة دين إبراهيم عليهالسلام ...
وكان محمّد ـ كما كان كلّ داع ناجح في دعوته ـ الناطق بلسان أهل زمانه والمعبّر عن حاجاتهم وآمالهم ... (١)
ويقول الأسقف يوسف درّة الحدّاد : (٢) استفاد القرآن من مصادر شتّى أهمّها الكتاب المقدّس ولا سيّما كتاب موسى ، وذلك بشهادة القرآن ذاته :
__________________
(١) ول ديورانت : قصّة الحضارة ج ١٣ ، ص ٢٣ و ٢٤ ، ترجمتها العربية.
(٢) مارس رتبة الكهنوتية في الكنيسة اللبنانية عام ١٩٣٩ م. ثمّ انقطع زهاء عشرين عاما يبحث عن شئون الإسلام والقرآن على اسلوبه الكهنوتي ، حاول التقارن والتقارب بين القرآن وكتب العهدين ليجعل الأخيرة منابع للقرآن ومصادره في كلّ ما ينسبه إلى وحي السماء. توفي سنة ١٩٧٩ م.