إلهكم وإله موسى ، وأضلّهم عن الطريق.
هكذا روى الطبري بأسانيده والسيوطي وغيرهما من أرباب النقل في التفسير (١) وزادوا في الطين بلّة أنّهم قالوا : إنّ موسى سأل ربّه فقال : يا ربّ ، من أخار العجل؟ فقال الله : أنا ، قال موسى : فمن أحياه؟ قال الله : أنا وأردت فتنتهم ، فقال موسى : يا ربّ ، فأنت إذن أظللتهم ، إن هي إلّا فتنتك. (٢) وهذا عند ما قال الله تعالى لموسى : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ). (٣)
* * *
قال أبو مسلم الأصفهاني : ليس في القرآن تصريح بهذا الّذي ذكره المفسّرون ، فهاهنا وجه آخر ، وهو : أن يكون المراد بالرسول هو موسى عليهالسلام ، وبأثره سنّته ورسمه الّذي أمر به. فقد يقال : فلان يقفوا إثر فلان ويقبض أثره إذا كان يمتثل رسمه. والتقدير : أنّ موسى عليهالسلام لمّا أقبل على السامريّ باللوم والسؤال عن الّذي دعاه إلى إضلال القوم قال السامرىّ (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي عرفت أن الّذي أنتم عليه ليس بحقّ ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيّها الرسول ، أي شيئا من سنّتك ودينك ، فقذفته أي طرحته ... وإنّما أورد بلفظ الإخبار عن غائب ، كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له : ما يقول الأمير في كذا ، وبما ذا يأمر الأمير ... وأمّا دعاؤه موسى عليهالسلام رسولا مع جحده وكفره فعلى مثل ما حكى الله عن المشركين : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)(٤) وإن كانوا لم يؤمنوا بإنزال الذكر عليه.
والإمام الرازي رجّح هذا القول وأيّده بوجوه. قال : إنّ هذا القول الذي ذكره أبو مسلم ليس فيه إلّا مخالفة المفسّرين ، ولكنّه أقرب إلى التحقيق. (٥)
وهكذا الشيخ المراغي ، قال : إنّ موسى لمّا أقبل على السامريّ باللوم والتعنيف والسؤال عن الأمر الّذي دعاه إلى إضلال القوم ردّ عليه بأنّه كان استنّ بسنّته ، واقتفى أثره
__________________
(١) راجع : جامع البيان ، ج ١ ، ص ٢٢٣ ؛ والدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٥٩٢ ؛ وتفسير الصافي للكاشاني ، ج ١ ، ص ٩٢ ؛ وتفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٦٢ ؛ وتفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ١٦٤ ؛ وتفسير البيضاوي ، ج ٤ ، ص ٢٩.
(٢) راجع : الدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٥٩٢ ؛ وتفسير الصافي ، ج ٢ ، ص ٧٥.
(٣) طه ٢٠ : ٨٥.
(٤) الحجر ١٥ : ٦.
(٥) التفسير الكبير ، ج ٢٢ ، ص ١١١.