قلت : يبدو من ظاهر تعبير القرآن أنّ ثمود كانوا قريبي عهد بعاد ومسكنهم ـ قبل مغادرة البلاد ـ بقرب مساكنهم وعلى معرفة من أحوالهم وما حلّ بهم من سوء العقبى :
قال تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً. فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ...). (١)
وقد عثر المنقّبون على كثير من آثار قوم ثمود بديار حجر وبقايا وكتابات غنّية بإثبات حضارة تلك الأقوام البائدة (٢) والتي ذكرها القرآن بإتقان ، وليس أخذا من أفواه العرب من غير أساس ، كما حسبه الاستاذ خليل عبد الكريم وزملاؤه من أصحاب الفكر الإسلامي الحديث؟!
ناقة صالح!
أمّا ناقة صالح فقد جاء وصفها في القرآن بأنّها معجزة صاحبت دعوة صالح حين طلبها قومه للتصديق : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً)(٣) وهكذا طلبت ثمود تلك الخارقة فاستجاب الله لعبده صالح وأعطاه هذه الخارقة في صورة ناقة. ولا يذكر تفصيلا عنها سوى كونها بيّنة من ربّهم وأنّها ناقة الله وفيها آية منه. قال سيد قطب : ومن هذا الإسناد نستلهم أنّها كانت ناقة غير عاديّة ، أو أنّها أخرجت لهم إخراجا غير عاديّ. ممّا يجعلها بيّنة من ربّهم وممّا يجعل نسبتها إلى الله ذات معنى ، ويجعلها آية على صدق نبوّته. ولا نزيد على هذا شيئا ممّا لم يرد ذكره من أمرها في هذا المصدر المستيقن. قال : ولا
__________________
(١) الأعراف ٧ : ٧٣ ـ ٧٤.
(٢) دائرة المعارف الإسلامية المترجمة ، ج ٧ ، ص ٣١٩ ؛ والعرب قبل الإسلام ، ص ٧٨.
(٣) الأعراف ٧ : ٧٣. وصيغة الطلب جاءت في سورة الشعراء ٢٦ : ١٥٣ ـ ١٥٤ (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ. ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا. فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).