٣ ـ وإذا أجبت الاستفهام بالفاء فنصبت فانصب العطوف. وإن جزمتها فصواب. من ذلك قوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) ، (١) رددت «وأكن» على موضع الفاء ، لأنّها في محلّ جزم ، إذ كان الفعل إذا وقع موقعها بغير الفاء جزم. والنصب على أن تردّه على ما بعدها ، فتقول : «وأكون». وهي قراءة عبد الله بن مسعود «وأكون» بالواو. وقد قرأ بها بعض القرّاء (هو أبو عمرو بن العلاء). قال : وأرى ذلك صوابا (أي القراءة بالواو مع عدم كتبها في المصحف) لأنّ الواو ربّما حذفت من الكتاب وهي تراد ، لكثرة ما تنقص وتزاد في الكلام ...
وقال بعض الشعراء (هو أبو داود الإيادى) :
فأبلوني بليّتكم لعلّي |
|
اصالحكم وأستدرج نويّا |
فجزم «أستدرج» فإن شئت رددته إلى موضع الفاء المضمرة في «لعلّي» ، وإن شئت جعلته في موضع رفع فسكّنت الجيم لكثرة توالي الحركات. وقد قرأ بعض القرّاء (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ)(٢) بالجزم وهم ينوون الرفع. وقرءوا (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ). (٣) والرفع أحبّ إليّ من الجزم. (٤)
* * *
وأمّا قوله تعالى : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً)(٥) فليس التقدير «عشرة أيام» إنّما التقدير في مثل ذلك عند العرب «عشر ليال». كما في قولهم : لخمس بقين أو خلون من رجب. والتقدير في حساب الأيّام عند العرب بالليالي دون وضح النهار. ومن ثمّ تحسب الليلة من أوّل الشهر من الشهر ، ويبدأ كلّ شهر بليلة أوّله ، فالنهار تابع للّيل كما في آخر الشهر.
__________________
(١) المنافقون ٦٣ : ١٠.
(٢) الأنبياء ٢١ : ١٠٣.
(٣) هود ١١ : ٢٨.
(٤) راجع : معاني القرآن ، ج ١ ، ص ٨٦ ـ ٨٨.
(٥) البقرة ٢ : ٢٣٤.