أوّلا : ليست في الآية صراحة بمسألة الزوجية من ذكر وانثى (اللقاح الجنسي) حسب المتبادر إلى الأذهان. فلعلّ المراد : التزاوج الصنفي أي المتعدّد من كلّ صنف ، كما في قوله تعالى : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ)(١) أي صنفان كناية عن التعدّد من أصناف متماثلة ، ذلك لأنّ الفاكهة ليس فيها ذكر وانثى وليس فيها لقاح. إنّما اللقاح في البذرة لا الثمرة.
ومثله قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ). (٢) أي صنفين متماثلين. والثمرة نفسها ليس فيها تزاوج جنسي.
وكذلك الآية : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ)(٣) لعلّها كاختيها أريد بها الصنفان من كلّ نوع ، كناية عن التماثل في تعدّد الأشكال والألوان. كما في قوله سبحانه : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ)(٤) أي متماثلا وغير متماثل.
وإطلاق لفظ التزاوج وإرادة التماثل والتشاكل في الصنف أو النوع غير عزيز. قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(٥) أي من كلّ نوع متشاكل. وقوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى). (٦) قال الراغب : أي أنواعا متشابهة. وقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ)(٧) أي أصناف.
وقد يراد بالزوج القرين أي المصاحب المرافق في أمر له شأن. قال الراغب : يقال لكلّ قرينين في الحيوانات المتزاوجة وغيرها : زوج. ولكلّ ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادّا : زوج. قال تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ)(٨) أي قرناءهم ممّن تبعوهم. (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ)(٩) أي أشباها وقرناء. (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً)(١٠) أي قرناء ثلاثة. وقوله تعالى : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)(١١) فقد قيل في معناه : قرن كلّ شيعة بمن شايعهم. (١٢)
__________________
(١) الرحمن ٥٥ : ٥٢.
(٢) الرعد ١٣ : ٣.
(٣) الذاريات ٥١ : ٤٩.
(٤) الأنعام ٦ : ١٤١.
(٥) الشعراء ٢٦ : ٧.
(٦) طه ٢٠ : ٥٣.
(٧) الزمر ٣٩ : ٦.
(٨) الصافّات ٣٧ : ٢٢.
(٩) الحجر ١٥ : ٨٨.
(١٠) الواقعة ٥٦ : ٧.
(١١) التكوير ٨١ : ٧.
(١٢) المفردات ، ص ٢١٥ و ٢١٦.