مَنًّا
بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ، لم تذكر الاسترقاق للأسرى ، حتّى لا يكون هذا تشريعا
دائما للبشريّة ، وإنّما ذكرت الفداء أو إطلاق السراح بلا مقابل ، لأنّ هذا وذاك
هما القانونان الدائمان ، اللّذان يريد القرآن للبشريّة أن تقصر عليها معاملتها
للأسرى في المستقبل القريب أو البعيد. وإنّما أخذ المسلمون بمبدإ الاسترقاق ،
خضوعا لضرورة قاهرة لا فكاك منها ، وليس خضوعا لنصّ في التشريع الإسلامى.
إذن فلم يلجأ
الإسلام إلى هذا الطريق ، ولم يسترقّ الأسرى لمجرّد اعتباره أنّهم ناقصون في
آدميّتهم. وإنّما لجأ إلى المعاملة بالمثل فحسب ، فعلّق استرقاقه للأسرى على
اتّفاق الدول المتحاربة على مبدأ آخر غير الاسترقاق ، ليضمن فقط ألّا يقع الأسرى
المسلمون في ذلّ الرّقّ بغير مقابل.
ومع هذا فلم
يكن تقليد الإسلام الدائم هو استرقاق الأسرى ، فحيثما أمن لم يسترقّهم. وقد أطلق
الرسول بعض الأسرى بلا فداء ، كما وأخذ من نصارى نجران جزية وردّ إليهم أسراهم ولم
يعهد أنّه صلىاللهعليهوآله استرقّ الأسرى ـ كما كان عليه عرف ذلك اليوم ـ وليضرب
بذلك المثل لما يريد أن تهتدى إليه البشريّة في مستقبلها ، حين تتخلّص من وراثاتها
الكريهة ، وتستطيع أن تستعيد إلى حظيرتها أصالتها الكريمة.
خرافات جاهليّة بائدة
قالوا : هناك
خرافات جاهليّة بائدة جاءت في القرآن جريا مع ثقافة العصر الذي عاشه ، ومتأثّرا
بها ممّا يتنافى وكونه كلام عليم خبير. من ذلك الكلام عن الجنّ والسحر وإصابة
العين ومسّ الجنّ!
غير أنّ هذه
النسبة الظالمة نشأت عن مزايغ الفهم لمعاني القرآن ومزالق الوهم عند مواجهة
تعابيره القويمة.
أمّا الجنّ
فحقيقة ثابتة لا تنكر ، وقد بدت طلائعها منذ عهد غير بعيد. وليس كلّ ما
__________________