الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣))
(فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) ، أي في قرى قوم لوط ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وذلك قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [هود : ٨١ ، الحجر : ٦٥].
(فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ) ، أي غير أهل بيت ، (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، يعني لوطا وابنتيه ، وصفهم الله تعالى بالإيمان والإسلام جميعا لأنه ما من مؤمن إلّا وهو مسلم.
(وَتَرَكْنا فِيها) ، أي في مدينة قوم لوط ، (آيَةً) ، عبرة ، (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، أي علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.
(وَفِي مُوسى) ، أي وتركنا في إرسال موسى آية وعبرة. وقيل : هو معطوف على قوله : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (٢٠) [الذاريات : ٢٠] ، وفي موسى ، (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، بحجة ظاهرة.
(فَتَوَلَّى) ، أي فأعرض وأدبر عن الإيمان ، (بِرُكْنِهِ) ، أي بجمعه وجنوده الذين كانوا يتقوى بهم ، كالركن الذي يتقوى (١) به البنيان ، نظيره قوله : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود : ٨٠] ، (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) ، قال أبو عبيدة : (أَوْ) ، بمعنى الواو.
(فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) ، أغرقناهم فيه ، (وَهُوَ مُلِيمٌ) ، أي آت بما يلام عليه من دعوى الربوبية وتكذيب الرسل.
(وَفِي عادٍ) ، أي وفي إهلاك عاد أيضا آية ، (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) ، وهي التي لا خير فيها ولا بركة ولا تلقح شجرا (٢) ولا تحمل مطرا.
(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) ، من أنفسهم وأنعامهم ومواشيهم وأموالهم ، (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) ، كالشيء الهالك البالي ، وهو نبات الأرض إذا يبس وديس. قال مجاهد : كالتبن اليابس. قال قتادة : كرميم الشجر. قال أبو العالية : كالتراب المدقوق. وقيل : أصله من العظم البالي.
(وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) (٤٣) ، يعني وقت فناء آجالهم ، وذلك أنهم لما عقروا الناقة قيل لهم : تمتعوا ثلاثة أيام.
(فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١))
(فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) ، يعني بعد مضي الأيام الثلاثة ، وهي الموت في قول ابن عباس ، قال مقاتل : يعني العذاب ، والصاعقة : كل عذاب مهلك ، وقرأ الكسائي : (الصَّاعِقَةُ) ، وهي
__________________
(١) في المطبوع «يقوى» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «سجرا» والمثبت عن المخطوط.