مُسَمًّى)، يعني يوم القيامة وهو الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض ، وهو إشارة إلى فنائهما (١)(وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) ، خوّفوا به في القرآن من البعث والحساب ، (مُعْرِضُونَ).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) ، أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون ، (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) ، قال الكلبي : أي بقية من علم يؤثر على الأولين ، أي يسند إليهم. قال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء. وقال قتادة : خاصة من علم. وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية (٢) ، يقال : أثرت الحديث أثرا وأثارة ، ومنه قيل للخبر : أثر (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) ، يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها ، (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، يعني أبدا ما دامت الدنيا ، (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) ، لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم.
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦) جاحدين ، بيانه قوله : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص : ٦٣].
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) ، يسمون القرآن سحرا.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، محمد من قبل نفسه ، فقال الله عزوجل : (قُلْ) ، يا محمد ، (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم ، (هُوَ أَعْلَمُ) ، [أي] الله أعلم (بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) ، تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر. (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ، أن القرآن جاء من عنده ، (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، في تأخير العذاب عنكم ، قال الزجاج : هذا دعاء لهم إلى التوبة ، معناه : إن الله عزوجل غفور لمن تاب منكم رحيم به.
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) ، أي بديعا مثل نصف ونصيف ، وجمع البدع أبداع ، [أي](٣) لست بأول مرسل ، قد بعث قبلي كثير من الأنبياء ، فكيف تنكرون نبوتي. (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، اختلف العلماء في معنى هذه الآية ، فقال بعضهم : معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون ، فقالوا : واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلّا واحد ، وما له علينا من مزية وفضل ، ولو لا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ، فأنزل الله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، فقالت الصحابة : هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) [الفتح : ٥] الآية ، وأنزل : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) [الأحزاب : ٤٧] ، فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم ، وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة ، قالوا : إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه وإنما أخبر بغفران ذنبه عام الحديبية ، فنسخ ذلك.
__________________
(١) في المخطوط «فنائها».
(٢) في المخطوط (ب) «رواية».
(٣) زيادة عن المخطوط (ب)