غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨))
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، مفاتيح الرزق في السموات والأرض. قال الكلبي : المطر والنبات (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) لأن مفاتيح الرزق بيده ، (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
قوله عزوجل : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) ، بيّن لكم وسنّ لكم [من الدين](١)(ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) ، وهو أول أنبياء الشريعة ، قال مجاهد : أوصيناك وإياه يا محمد دينا واحدا. (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، من القرآن وشرائع الإسلام ، (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) ، واختلفوا في وجه الآية ، فقال قتادة : تحليل الحلال وتحريم الحرام. وقال الحكم : تحريم الأمهات والبنات والأخوات. وقال مجاهد : لم يبعث الله نبيا إلّا أوصاه بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة له (٢) ، فذلك دينه الذي شرع لهم. وقيل : هو التوحيد والبراءة من الشرك. وقيل : هو ما ذكر من بعد وهو قوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ، بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة ، (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) ، من التوحيد ورفض الأوثان ثم قال : (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) ، يصطفي لدينه من عباده من يشاء ، (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) ، يقبل إلى طاعته.
(وَما تَفَرَّقُوا) ، يعني أهل الأديان المختلفة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني أهل الكتاب كما ذكر في سورة المنفكين : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [البينة : ٤] ، الآية. (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) ، بأن الفرقة ضلالة ولكنهم فعلوا ذلك ، (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، أي للبغي ، قال عطاء : يعني بغيا بينهم على محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ، في تأخير العذاب عنهم ، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، وهو يوم القيامة ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، بين من آمن وكفر ، يعني أنزل العذاب بالمكذبين في الدنيا ، (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) ، يعني اليهود والنصارى ، (مِنْ بَعْدِهِمْ) ، أي من بعد أنبيائهم ، وقيل : من بعد الأمم الخالية. وقال قتادة : معناه من قبلهم أي من قبل مشركي مكة. (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) ، أي من محمد صلىاللهعليهوسلم.
(فَلِذلِكَ فَادْعُ) ، أي فإلى ذلك كما يقال دعوت إلى فلان ولفلان ، وذلك إشارة إلى ما وصّى به الأنبياء من التوحيد ، (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) ، أي أثبت على الدين الذي أمرت به ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) ، أي آمنت بكتب الله كلها ، (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) ، أن أعدل بينكم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمرت أن لا أحيف عليكم بأكثر مما افترض الله عليكم من الأحكام وقيل : لأعدل بينكم في جميع الأحوال والأشياء ، (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ، يعني إلهنا واحد وإن اختلفت أعمالنا فكل يجازى بعمله ، (لا حُجَّةَ) ، لا خصومة ، (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) ، نسختها آية القتال ، فإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة ، (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) ، في المعاد لفصل القضاء ، (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) ، يخاصمون في دين الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، وقال قتادة : هم اليهود قالوا :
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.