وقال : أوصلنا الله إلى سرّ المعراج ، وهل تدرون ما سره؟ مثلا قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٨ ـ ٩].
وقال : قوله : (ثُمَّ دَنا) إشارة إلى العروج والوصول ليلة المعراج ، وقوله : (فَتَدَلَّى) إشارة إلى النزول والرجوع.
وقوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) بمنزلة النتيجة إشارة إلى الوصول إلى العالم المشار إليه بقوله تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ٢].
وقوله : (أَوْ أَدْنى) إشارة إلى الوصول إلى عالم الذات المشار إليها بقوله تعالى : (اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، وذلك في سورة الإخلاص.
ثم قال : هذا المعراج كان في الليلة دون النهار ؛ لأن الليل سر الفناء كما أن النهار سر البقاء ، وكان أيضا في صورة الصعود والهبوط ؛ لأنه وقع بالجسم والروح معا ، ثم فصّل وقال : المعراج إما بالجسم والروح معا ، أو بالروح والعلم ، والأول مخصوص بالنبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنه عرج بروحه ثلاثا وثلاثين مرة ، وبجسمه وروحه مرة ، والثاني يوجد في الأولياء أيضا إلا الضعفاء ؛ فإنهم يعرجون في المنام والأقوياء في اليقظة حال الانسلاخ التام ، ومنهم من لا ينفك عن المعراج كل لحظة ، وذلك بالعلم الإلهي الكلي ؛ فإنه تعالى يكاشف عن أسرار آياته الأنفسية والآفاقية ؛ فيريها له كما قال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] ، والرائي في المعراج الروحاني عين البصيرة لا عين البصر فإن للكاملين عينين ظاهرة وباطنة فيرى بالظاهرة عالم الملك والشهادة ويعطي بها ما يستحقه ويرى بالباطنة عالم الملكوت والغيب ويعطى بها حقه أيضا مثلا ينظر إلى أهل الظاهر بالعين الظاهرة ويعاملهم بما يناسب حالهم ، وينظر إلى أهل الباطن بالعين الباطنة ويجاملهم بما يناسب بحالهم فلا يحجب بواحدة منها عن الأخرى كما احتجب أهل الظاهر عن رؤية أهل الحقيقة ؛ لأنه ليس له العين الباطنة ، وأهل الباطن احتجوا عن رؤية أهل الظاهر ؛ لأنه ليس له العين الظاهرة أي : النظر الكامل بمرتبتها والكمال فإن صاحبه ينفق على كل واحد من الفريقين حقه.