أفضلهما من كانت ابنته تحته ، ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك ، فقال السنية : هو أبو بكر ، وقال الشيعية : هو علي ، وهذا من لطائف الأحمدية ، ولو حصل هذا بعد التأنّي ، وإمعان النظر ، كان في غاية الحسن فضلا عن البداهة من عيون الأبناء القضاء مجبر الدين أبي اليمن عبد الرحمن العمري الحنبلي.
وارد
دخول ـ طاغ تكوري ـ عشر من جمادى الآخرة يوم الإثنين ، والخروج من بروسة يوم الخميس الثامن من الشهر المذكور سنة ١١٢٩ ه.
لمّا طعن برهان الدين البقاعي في الشيخ عمر بن الفارض (١) نفاه السلطان إلى
__________________
(١) هو العارف بالله تعالى سلطان العاشقين سيدي عمر بن أبي علي بن مرشد بن علي ، الحموي الأصل ، المصري المولد والدار والوفاة ، ولد سنة ستّ وخمسين أو ستين وخمسمائة ، نشأ تحت كنف أبيه ، في عفاف وصيانة وعبادة وديانة ، بل زهد وقناعة وورع ، فلمّا شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية ، وأخذ الحديث عن الحافظ ابن عساكر وعن الحافظ المنذري وغيره ، ثم حبب إليه الخلاء ، وسلوك طريق القوم ، فتزهّد وتجرّد ، وصار يأوي إلى الجبل الثاني من المقطم ، والمساجد المهجورة مرة ، ثم يعود إلى والده ، فيقيم عنده مرة ، فيشتاق للتجرد فيعود إلى الجبل ، وهكذا حتى ألف الوحش وألفه الوحش ، فكان لا يفرّ منه ، ومع ذلك لم يفتح عليه بشيء ، حتى أخبره شيخه الشيخ أبو الحسن على البقال أنه إنما يفتح عليه في مكة شرّفها الله ، فخرج فورا في غير أشهر الحج ، ولم تزل الكعبة أمامه حتى دخلها ، وانقطع بواد بينه وبين مكة عشر ليال ، ففتح عليه فصار يذهب من ذلك الوادي إلى مكة ، فيصلّي بها الخمس ويعود إلى محله من يومه ، وأنشأ غالب نظمه حالتئذ ، وأقام على ذلك نحو خمسة عشر عاما ، ثم رجع إلى مصر ، فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر ، وعكف عليه الأئمة ، وقصد من العام والخاصّ ، حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته ، وسأله أن يعمل له ضريحا عند قبره ، بالقبة التي بناها على ضريح الإمام الشافعي ، فأبى ، وكان رضي الله عنه جميلا نبيلا حسن الهيئة والملبس ، فصيح العبارة ، حسن الصحبة والعشرة ، وذكر أنه رأى المصطفى صلىاللهعليهوسلم في نومه ، فقال : (إلى من تنسب؟) فقال : يا رسول الله إلى بني سعد ، قبيلة حليمة. فقال له صلىاللهعليهوسلم : (بل نسبك متصل بي). وكان له أحوال كريمة وكرامات عظيمة ، ومن أجلّها ديوانه الذي اعترف بحسنه الموافق والمخالف ، سيّما القصيدة التائية المسماة ب «نظم السلوك».
روى ابن بنته عنه : أنه لما أتمّها رأى النبيّ ـ عليه الصلاة والسّلام ـ في المنام ، فقال : يا عمر ، ما سميت قصيدتك؟ قال : سميتها : «لوائح الجنان وروائح الجنان» ، فقال له صلىاللهعليهوسلم : لا ، بل سمها : «نظم