الفهم ، وعدم الفرق بين الأسماء ، وبين النشأتين.
والخير كله في يديك : أي في قدرتك ، وإنما لم يذكر الشر لأنه شر بالنسبة إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة ؛ بل جميع أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والمصالح ؛ فهو كقوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) [آل عمران : ٢٧].
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «وكلتا يديه يمين مباركة» (١).
فيقول : «هل رضيتم؟» بما أوتيتم من النعم الحسيّة والمعنوية ، فيقولون : «وما لنا لا نرضى يا رب».
في قوله : (يا رب) : إشارة إلى أن الكلام مع الكل ، والقول من الكل ، فإنه أدلّ على حصول الرضا بخلاف ما لو سكت البعض.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك» : أي ممن يلي عالم الخلق ؛ فإنهم ليس لهم النعيم الروحاني بخلاف من في عالم الأمر ، فإنهم المستسعدون بذلك إلا أن من بقى في عالم الأرواح لم يشرب من مشرب الأذواق الخلقية بخلاف من جميع بين عالم الخالق ، والأمر نزولا وعروجا ، فافهم جدّا ، فإنه سرّ عزيز.
والحاصل : أن أهل الحجاب بقوا وراء الباب ، فلم يكن لهم نصيب إلا الحظ الجسماني ، وأن أهل الأبداع والوقوف بقوا داخل الباب ، فلم يكن لهم إلا الحظّ الروحاني.
ومن دخل ، وخرج أحرز النصّيبين ، فله القدح المعلى.
فيقول : «ألا أعطيكم أفضل من ذلك» : فيه إشارة إلى أنهم بقوا مع النعيم المجرّد المطلق منه غير ملاحظة للحكمة في ذلك ، فإنه قد يتحوّل النعيم جحيما بالنسبة إلى أهل الدنيا ؛ لأن قلوبهم بين إصبعين من أصابع الرحمن ، فيخاف عليهم من التقليب من حال إلى حال.
ولمّا كانت الجنة ليست تعطى ذلك بذاتها ، قال تعالى : «ألا أعطيكم؟ ... إلخ» : إتماما للنعمة ، وإكمالا للمنّة.
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٤٥٣) ، والبيهقي في الكبرى (١٠ / ١٤٧) بنحوه.