وكل وجه عام يستلزم الوجه الخاص دون العكس ؛ ومعناه أن ما نزل به الملك ؛ فهو حاصل في قلبه صلىاللهعليهوسلم وقت نزوله ؛ لأن علم الإنسان ليس بخارج من ذاته ، وإنما ظهوره على التدريج ، فالقلب حقيقة اللوح فما ينزل من اللوح فهو صورة ما في القلب ، وإنما نزل الملك تشريفا للمنزّل عليه على ما هو عادة الملوك في الدنيا.
وأسند الإنزال إلى الاسم الجامع لما أنه مما يقتضيه الألوهية كما يعرف من محصول الآيتين من كنوز الجنة : أي من خزانات العالم العلوي بين العرش والكرسي ؛ فكانتا من مكنونات الغيب التي لا يمسها العقول والعلوم.
وفيه إشارة إلى أنهما من نفائس الآيات القرآنية ، وجوامعها ؛ كالأموال النفيسة المدّخرة لوقت الحاجة ، وإلى أن لكل علم مخزنا من مخازن الملكوت خزانة الله تعالى فيه إلى أن يظهر قابله في الأرض ، وإلى أن جميع العلوم الإلهية مما يتنافس فيه المتنافسون ، وإن اختلفت طباقاتها وطبقاتهم ، إذ ليس كل قابل يقبل جميع العلوم ؛ وإنما يقبله من هو أكمل استعدادا من غيره ، وربما يدّعي إن المراد بالجنة الغيب ؛ لأن الاجتنان الاستتار.
قال صلىاللهعليهوسلم : «كتبهما الرحمن بيده» (١) : أي قدر كتابتهما بيده الجمالية ؛ لأنهما من الآيات الجمالية ، وأسند الكتب إلى الاسم الرحمن ؛ لأنهما من الرحمة العامة للمؤمنين.
قال صلىاللهعليهوسلم : «قبل أين يخلق الخلق بألفي سنة» (٢) ؛ المراد بالخلق العرش وما يحويه ، وبالألفين اليومان ؛ لأن كل يوم عن الله تعالى كألف سنة ، فظاهره يوم ممدود مفصّل ، وباطنه يوم مقصور أتى كلمح بالبصر.
فإن أفعال الله تعالى لا تتوقف على الأمور العادية والأسباب ، فالتأنّي من قبيل التعليم والإرشاد على ما يقتضيه عالم الصفات ، وأشير باليومين إلى يومين : القلم واللوح ، فإن كلّا منهما وضع إلهي قد اعتبر فيه تلك المدة ونظيره خلق الأرزاق قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ، فإن الكرسي متنزّل المقدرات ، وفوقه العرش ، وفوقه
__________________
(١) رواه ابن عدي في الكامل (٧ / ٨٤) ، وذكره الجرجاني في تاريخ جرجان (١ / ٢٦٥).
(٢) تقدم تخريجه.