بالترجيح صار المخالف كالسليم عن المعارض ، فيصرف ظاهر الكتاب بقرينة الخبر السليم.
ولو لم يكن هناك مرجّح : فإن حكمنا في الخبرين المتكافئين بالتخيير ـ إمّا لأنّه الأصل (٢٩٩٥) في المتعارضين وإمّا لورود الأخبار بالتخيير ـ كان اللازم التخيير ، وأنّ له أن يأخذ بالمطابق وأن يأخذ بالمخالف ، فيخصّص به عموم الكتاب (٢٩٩٦) ؛
______________________________________________________
٢٩٩٥. كما إذا قلنا باعتبار الظواهر من باب السببيّة دون الطريقيّة.
٢٩٩٦. لا يذهب عليك أنّه إن قلنا بالتخيير لأجل أنّه الأصل في تعارض الخبرين ، فلا ريب أنّ المختار حينئذ يصير حجّة شرعيّة يجوز تخصيص الكتاب به إن كان المختار هو المخالف له. لكنّه خلاف التحقيق ، لما تقدّم من أنّ الأصل في تعارض الخبرين هو التساقط والرجوع إلى مقتضى الاصول.
وإن قلنا به من باب الشرع لأجل أخبار التخيير ، ففي جواز تخصيص الكتاب بالمختار وجهان مبنيّان على التدبّر في تلك الأخبار ، وأنّ مقتضاها كون التخيير كالترجيح ، بحيث يكون المختار حجّة شرعيّة تجري عليه جميع آثار الخبر السالم من المعارض التي منها تخصيص الكتاب به ، ولعلّه ظاهر الأخبار ، أو أنّ مقتضاها إثبات أصل التخيير ، بأن كان مفادها جواز العمل بمضمون أحدهما في الجملة ، من دون دلالة على تنزيل مؤدّاهما منزلة الواقع ، ليكون حجّة شرعيّة كي تجري عليه أحكامه؟ ولا ريب أنّ ثبوت التخيير بهذا المعنى لا ينافي ثبوت التعيين بالعرض بدليل خارجي ، نظير عدم منافاة الإباحة الأصليّة للوجوب أو الحرمة العرضيّة بدليل خارجي.
وحينئذ نقول : إنّ عموم الكتاب دليل اجتهاديّ حاكم على أصالة التخيير ، فلا يجوز معه اختيار الخبر المخالف له. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ مخالفة أحد الخبرين لعمومات الكتاب لو كانت مانعة من التخيير لم يبق لأخبار التخيير مورد إلّا نادرا ، لأنّ مرجع مخالفته لها إلى مخالفة ظاهرة لأصالة الحقيقة التي هي بمثابة الاصول العمليّة ،