.................................................................................................
______________________________________________________
فيهما جزئيّ من جزئيّات الكلام في حكم الأخيرين. فالأولى صرف الكلام تارة إلى بيان أنّ ما نحن فيه من أيّ القبيلين ، واخرى إلى بيان حكم الواجبين المتزاحمين مع عدم أهميّة أحدهما ، وثالثة إلى بيان حكم الطريقين المتدافعين مع عدم قوّة إحداهما. وقد عرفت الكلام في الأوّل.
وأمّا الثاني ، فاعلم أنّ مقتضى الأصل في امتثال كلّ واجبين متزاحمين ـ سواء كانا مندرجين تحت عنوان واحد ومستفادين من دليل واحد ، كأنقذ الغريقين أو أطفئ الحريقين ، أم كان كلّ واحد منهما مندرجا تحت عنوان ومستفادا من دليل ، كأنقذ وأطفئ ـ هو التخيير في الإتيان بأيّ منهما أراد مع مساواتهما ، وعدم أهميّة أحدهما في نظر الشارع بحيث يستحقّ العقاب على مخالفة كلّ منهما ، كما في كلّ واجب تخييري ، لأنّ ظاهر دليل اعتبارهما وإن كان وجوب العمل بكلّ منهما عينا ، إلّا أنّ ذلك غير مراد يقينا وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق ، وإلّا لم يكونا متعارضين.
وفرض تعارضهما دليل على عدم خروجهما أيضا من تحت عموم دليل اعتبارهما ، وإلّا لم يكونا متعارضين ، إذ التعارض فرع اعتبارهما في أنفسهما.
فإن قلت : نمنع كونهما متعارضين ، لاحتمال كونهما متساقطين ، لعدم المقتضي لاعتبارهما ، لاحتمال كونهما غير مرادين من دليل اعتبارهما.
قلت : هذا خلاف الإجماع ، لإجماعهم ـ كما تقدّم في كلام المصنّف رحمهالله ـ على انحصار المانع من العمل بهما في تمانعهما وتزاحمهما ، فلو لم يكن دليل اعتبارهما شاملا لهما كان عدم العمل بهما لعدم المقتضي لا لوجود المانع. وكذا الحكم بالتخيير ليس لأجل استعمال دليل اعتبارهما فيه ، وإلّا لزم استعماله في الوجوب العيني بالنسبة إلى غير محلّ التعارض ، وفي الوجوب التخييري بالنسبة إليه ، وهو غير جائز عند المحقّقين. وعلى تقدير تسليم جوازه فهو من أخسّ مراتب الاستعمال ، بحيث تحتاج إرادته إلى قرينة. وأمّا وجوب العمل بأحدهما الكلّي عينا