كلّ غريق" ، و" اعمل بكلّ خير" ، في أنّه إذا تعذّر العمل بالعام في فردين متنافيين لم يجز طرح كليهما ، بل لا بدّ من العمل بالممكن ـ وهو أحدهما تخييرا ـ وطرح الآخر ؛ لأنّ هذا غاية المقدور ، ولذا ذكرنا في باب التعارض أنّ الأصل في الدليلين المتعارضين مع فقد الترجيح التخيير بالشرط المتقدّم (٢٧٦١) لا التساقط. والاستصحاب أيضا أحد الأدلّة ، فالواجب العمل باليقين السابق بقدر الإمكان ، فإذا تعذّر العمل باليقينين من جهة تنافيهما وجب العمل بأحدهما ، ولا يجوز طرحهما.
ويندفع هذا التوهّم بأنّ عدم التمكّن من العمل بكلا الفردين إن كان لعدم القدرة على ذلك مع قيام المقتضي للعمل فيهما فالخارج هو غير المقدور ، وهو العمل بكلّ منهما مجامعا مع العمل بالآخر ، وأمّا فعل أحدهما المنفرد عن الآخر فهو مقدور فلا يجوز تركه. وفيما نحن فيه ليس كذلك ؛ إذ بعد العلم الإجمالي لا يكون المقتضي لحرمة نقض كلا اليقينين موجودا منع عنهما عدم القدرة.
نعم مثال هذا في الاستصحاب أن يكون هناك استصحابان بشكّين مستقلّين امتنع شرعا أو عقلا العمل بكليهما (*) من دون علم إجمالي بانتقاض أحد المستصحبين بيقين الارتفاع ، فإنّه يجب حينئذ العمل بأحدهما المخيّر وطرح الآخر ، فيكون الحكم الظاهري مؤدّى أحدهما. وإنّما لم نذكر هذا القسم في أقسام تعارض الاستصحابين ؛ لعدم العثور على مصداق له ؛ فإنّ الاستصحابات المتعارضة يكون التنافي بينها من جهة اليقين بارتفاع أحد المستصحبين ، وقد عرفت (٢٧٦٢) أنّ عدم العمل بكلا الاستصحابين ليس مخالفة لدليل الاستصحاب سوّغها العجز ، لأنّه نقض اليقين باليقين ، فلم يخرج عن عموم (٢٧٦٣) " لا تنقض" عنوان ينطبق على الواحد التخييري.
______________________________________________________
٢٧٦١. أي : كون اعتبار الدليلين من باب التعبّد والسببيّة دون الطريقيّة.
٢٧٦٢. حاصله : بيان الفرق بين ما نحن فيه والمثال المذكور ، الذي من قبيل قوله : أكرم العلماء وأنقذ كلّ غريق.
٢٧٦٣. كما هو كذلك فيما ذكره من مثال الاستصحاب ، لأنّ الخارج فيه
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «امتنع شرعا أو عقلا العمل بكليهما» ، ورد المنع تعبّدا عن الجمع بينهما.