بقي الكلام في أنّه إذا لم يكتف بالظنّ (١٠٢٢) وحصل الجزم من تقليد ، فهل يكفي ذلك أو لا بدّ من النظر والاستدلال؟ ظاهر الأكثر : الثاني ، بل ادّعى عليه
______________________________________________________
١٠٢٢. لا يخفى أنّ المصنّف رحمهالله وإن أشار إلى المراد من التقليد المذكور في كلماتهم ، إلّا أنّه لم يستوف جميع محتملاته ، فنقول : إنّ المراد من التقليد لمّا كان مشتبها ومحتملا لوجوه شتّى فلا بدّ من ذكر محتملاته مفصّلة ، ثمّ نعقّب كلّا منها بحكمه ، فنقول : إنّه يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون مرادهم منه في المقام هو التقليد المصطلح في الفروع من الأخذ بقول الغير من دون دليل وإن لم يورث قوله الظنّ بالواقع ، بل ومع الظنّ بخلافه. ويؤيّده مقابلته في الاصول له في الفروع ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله.
ولكن يرد عليه أوّلا : أنّ ذلك غير معقول في الاصول ، إذ موضوع الاصول الاعتقاديّة هو نفس الاعتقاد وأدنى مرتبة الظنّ ، وهو لا يجتمع مع الشكّ اللازم من تجويز التقليد المصطلح في المقام.
وثانيا : أنّ عدم الدليل عليه في المقام دليل على عدم جوازه ، بل أصالة بقاء الشغل ، وما دلّ على عدم جواز العمل بما وراء العلم من الكتاب والسنّة خصوصا وعموما ، وما دلّ على وجوب تحصيل المعرفة بوجوده سبحانه ، كلّها دليل على المدّعى.
وثانيها : أن يكون المراد هو عقد القلب على ذلك وترتيب آثار الاعتقاد عليه من الإقرار وإيقاع الأفعال على طبق اعتقاد الغير ، بمعنى أنّه إذا لم يحصل له الاعتقاد الجزمي يجب عليه عقد قلبه على ما اعتقده الغير ، ويلتزم بجميع آثار الاعتقاد.
ويرد عليه : أنّه لا دليل على جواز الاقتصار على مثل ذلك أيضا ، إذ الباعث والمحرّك على معرفة وحدانيّته تعالى وغيرها من اصول العقائد إن كان هو العقل ، لأجل استقلاله على وجوب شكر النعم ، أو لأجل احتماله للعقاب على تقدير المخالفة ، فلا ريب أنّ العقل لا يقنع بذلك ، بل هو طالب لمرتبة عليا فوق هذه المرتبة ، وهي مرتبة العلم واليقين. وإن كان هو ما أشرنا إليه من الأدلّة ، فلا ريب أنّ