الامتثال القطعي إلى الظنّي وكذا مع العلم الاجمالىّ بناء على أنّ الامتثال التفضيلى مقدّم على الاجمالىّ أو لأنّ الاحتياط يوجب الحرج المؤدّى إلى الاختلال. أمّا مع انسداد باب العلم بهذا الطريق وعدم تميّزه عن غيره إلّا بإعمال مطلق الظنّ فالعقل لا يحكم بتقديم إحراز الطريق بمطلق الظنّ على إحراز الواقع بمطلق الظنّ. وكأنّ المستدلّ توهّم : أنّ مجرّد نصب الطريق ـ ولو مع عروض الاشتباه فيه ـ موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق ، كما ينبئ عنه قوله : وحاصل القطعين إلى أمر واحد وهو التكليف الفعلي بالعمل بمؤدّيات الطرق. وسيأتي مزيد توضيح لاندفاع هذا التّوهم إن شاء الله تعالى.
فإن قلت : نحن نرى أنّه إذا عيّن الشارع طريقا للواقع عند انسداد باب العلم به ثمّ انسدّ باب العلم بذلك الطريق ، كان البناء على العمل بالظنّ في الطريق دون نفس الواقع ؛ ألا ترى أنّ المقلّد يعمل بالظنّ في تعيين المجتهد لا في نفس الحكم الواقعي ، والقاضي يعمل بالظنّ في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات لا في تحصيل الحقّ الواقعي بين المتخاصمين؟ قلت : فرق بين ما نحن فيه (٨٣٤) وبين المثالين ، فإنّ الظنون الحاصلة للمقلّد والقاضي في المثالين بالنسبة إلى الواقع امور غير مضبوطة كثير المخالفة للواقع ، مع قيام الإجماع على عدم جواز العمل بها كالقياس ، بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق ؛ فإنّها حاصلة من أمارات منضبطة غالب المطابقة لم يدلّ دليل بالخصوص على عدم جواز العمل بها ، فالمثال المطابق لما نحن فيه : أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع
______________________________________________________
٨٣٤. حاصل الجواب : أنّ قياس ما نحن فيه على ظنّ القاضي والمقلّد قياس مع الفارق من وجوه : أحدها : قيام الإجماع على عدم الاعتداد بظنّ القاضي في تعيين الواقع بين المتخاصمين ، وكذا ظنّ المقلّد في تعيين الأحكام الواقعيّة ، بخلاف ظنّ المجتهد فيما نحن فيه.
وثانيها : أنّ ظنّ القاضي والمقلّد بالنسبة إلى تعيين الواقع وتعيين الطرق مختلف ، لأنّ ظنّهما بتعيين الواقع بين المتخاصمين وتعيين الأحكام الواقعيّة حاصل