واخرى : بأنّ الشارع (٦٦٤)
______________________________________________________
وفيه : أنّه إنّما يتم على تقدير تقرير نتيجة حكم العقل مهملة أو معلّقة ، بأن كان العقل حاكما بوجوب العمل بالظنّ في الجملة أو معلّقا كما عرفت ، وشيء منهما ليس بشيء ، كما سيجيء في محلّه.
ونقول هنا أيضا على سبيل الإجمال : إنّه مع بقاء التكليف ، وانسداد سبيل العلم إلى الأحكام الواقعيّة ، وعدم جواز العمل بسائر الاصول ، يصير الظنّ كالعلم بحكم العقل ، إذ لا يعقل حينئذ أن يريد الشارع من عباده الوصول إلى أحكامه الواقعيّة وينهى مع ذلك عن العمل بالظنّ ، وإلّا لزم التناقض ، نظير ما لو ثبت التكليف في الواقع ولم يجز العمل بالعلم. فلا بدّ حينئذ إمّا من رفع اليد عن الواقع ، وهو خلاف الفرض ، أو جواز العمل بالظنّ وهو المطلوب. مضافا إلى أنّ ورود النهي عن الشارع لو كان كافيا في ارتداع العقل عن حكمه بوجوب دفع الضرر المظنون ، يلزمه أن لا يحكم بوجوب دفع الضرر المظنون مطلقا ، لما تكاثر من الآيات والأخبار على حرمة العمل بالظنّ مطلقا ، ولا اختصاص لذلك بخبر الفاسق والقياس.
٦٦٤. حاصله : أنّ خروج القياس ونحوه إنّما هو من باب التخصّص دون التخصيص ، لأنّ الأحكام الواقعيّة ناشئة من المصالح والمفاسد الكائنتين في الأشياء ، وحينئذ يجوز أن يكون بعض الطرق مشتملا على مفسدة أعظم من مصلحة الواقع ، فيجوز للشارع حينئذ أن يرفع اليد عن الحكم الواقعي مع انحصار الوصول إليه في هذا الطريق ، وأن لا يتجزّى بالمأتيّ به بهذا الطريق مع عدم الانحصار ، ونهي الشارع عن العمل بالقياس ، ونحن يكشف عن وجود مفسدة في العمل به أعظم من مفسدة مخالفة الواقع ، فيكون تجويز ترك العمل بالقياس ونحوه مع إفادته الظنّ بالواقع من قبيل دفع الأفسد بالفاسد.
فإن قلت : إن صحّ ذلك جرى مثله في نوع الظنّ ، لورود النهي كتابا وسنّة عنه.
قلت : ليس الأمر كما زعمت ، لأنّ ما دلّ على حرمة العمل بالظنّ مطلقا