__________________
ـ إلى تحسين الأخلاق ، فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال وجمحت عن الأخلاق ، ونفوس الزهّاد أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض ، ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها».
والثالثة : معرفة كنوز أسرار الذّات العليّة ، وهذه المعرفة خاصة بأكابر المحققين من الأولياء الرّاسخين.
وطريق هذه المعرفة لا يكون إلا عن محض المنّة ، وكرامة صاحبها استقامته على نهج الكتاب والسّنة.
قال أبو يزيد البسطامي قدّس الله سرّه : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى تربّع في الهواء ، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة ، ولما قصد زيارة ذلك الرجل المشهور بالزهد ودخل المسجد ، رمى ببصاقه تجاه القبلة ، فانصرف ولم يسلّم عليه وقال : هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدّعيه ، فاتّباع القدم المحمدي نعمة وأي نعمة ، والزيغ عنه نقمة لا يماثلها نقمة ، فإن شؤم هلاك الدين لا يعادله شؤم ، نعوذ من ذلك بالله الحي القيوم.
وإذا نظرت بعين التحقيق في هؤلاء الزّنادقة المنابذين لأهل الطريق لم تر عندهم غير شقشقة اللسان الخالية عن الدليل والبرهان ، وإذا بحثت مع أحدهم أسفر وجهه عن أخلاق البغال بكلام أبرد من برد العجوز ؛ لتمثله في وصف النعال.
ثم قال أيضا : وقد رأيت في بعض الرسائل حديثا مرفوعا وهو : «الشريعة مقالي ، والطريقة أفعالي ، والحقيقة حالي».
وعلى تقدير صحته فالشريعة : البيان ، وهو بالمقال وما ينطق عن الهوى وبالأفعال ، وهو أبلغ فاتبعون يحببكم الله ، والحال ما ينتجه البيان فعاد الأمر إليه.
قال سيدي محيي الدين قدّس الله سرّه في كتاب «التراجم» في باب ترجمة الشريعة والحقيقة : لطيفة :
يخيل لمن لا يعرف أن الشريعة تخالف الحقيقة ، هيهات بل الشريعة عين الحقيقة ، وأن الشريعة جسم وروح ، فجسمها الأحكام وروحها الحقيقة ، فما ثم إلا شرع لطيفة ، الشريعة : وضع موضوع وضعه الحق في عباده ، فمنه مسموع وغير مسموع ، فلهذا من الأنبياء متبوع وغير متبوع ، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا)[الأنفال : ٢١] ، كمثل الذي ينعق بما لا يسمع.
وقال في فتوحاته في باب الشريعة : الشريعة من جملة الحقائق ، فهي حقيقة لكن تسمّى شريعة ، وهي حقّ كلها ، والحاكم بها حاكم بحقّ مثاب عند الله ؛ لأنه حكم بما كلف أن يحكم به ، وإن كان المحكوم له على باطل ، والمحكوم عليه على حقّ ، فهل هو عند الله كما هو في الحكم ، أو كما هو في نفس الأمر؟ فمنا من يرى أنه عند الله كما هو في نفس الأمر ، ومنا